قد تمر أمامك وفى حياتك أحياناً بعض الشخصيات، فتتوقف عندها وتمعن النظر فى تصرفاتها ... وصديقي عبد الشكور من هذه الشخصيات الجديرة بالتحليل وإمعان النظر ... وأنا لا أشك لحظة واحدة فى أنك إذا جلست معه ستتفاعل مع حديثه، بل وقد تنسى نفسك ووقتك وستظل طوال الجلسة فاغراً فاك، من كم الأحاديث والحكايات الغريبة التى سيقصها عليك هذا الرجل ، ومن فرط اندماجك مع حكايات عبد الشكور لن تلحظ حركات رجليه العصبية، التى يهزها أثناء الحديث بشكل سريع ومنتظم ، كما لن تلحظ إفراطه المبالغ فيه فى شرب السجائر ، أما الملاحظة الوحيدة التى ستثير انتباهك – إن كنت تعرفه من قبل – فهى أن أسنانه قد وقعت جميعها رغم أنه فى آواخر العقد الخامس من عمره، وما ذلك إلا بسبب مرض السكر الذى أصابه ففعل الأفاعيل بجسده النحيل، وأصابه بعصبية لم تكن فى طباعه من قبل ، وعبد الشكور من هذا النوع الذى يضغط بشدة على مخارج الألفاظ لديه، وكأنه يؤكد بهذه الطريقة صدق رواياته وسلامة منطقه، كما أنه أيضاً من ذلك النوع غريب الأطوار الذى لا يقبل اختلافك معه فى الرأى ، فليس لك إلا أن تسلم بما يقول وتوافق على ما يعرض دون ممانعة أو اعتراض. وأحياناً تشغلنا الحياة وتتلاعب بنا المصالح الشخصية، فنسهو عن بعضنا ونغفل عن الالتقاء لا لبضعة شهور فقط، ولكن أحياناً يمتد غيابنا عن بعض لبضع سنين. ومنذ أيام التقيت مع صديقى فرأيته كما هو لم يتغير عن حالته، ولم يغادر طباعه قيد أنملة إذ رأيته كما كان ... هو هو ... إلا أننى لاحظت مسحة من الكآبة والاكتئاب قد اعترت وجهه وغيرت بعضاً من ملامحه ، كما لاحظت أيضاً لمعة غريبة فى عينيه لم تكن معروفة فيه من قبل ... وعندما سألته عن حاله وحال أبنائه ... أطرق هنيهة ثم قال: هل تعرف سمساراً جيداً ؟. فقلت له: لما ؟ .... هل تبحث عن شقة لابنك قال والحزن يكسو ملامحه: لا قلت: إذن تبحث عن قطعة أرض أو ما شابه؟ فقال: نعم أبحث عن شيء مثل ذلك. فقلت: عليك بصحف الإعلانات التجارية ستجد فيها غرضك. فقال: لن أجد غرضى فى صحف الإعلانات التجارية أبداً. فقلت: على أى شيء تبحث إذن بالضبط. ولدهشتى قال: أبحث لابنى عن وطن !! نعم لا تندهش يا صديقي فأنا أبحث لابني عن وطن ، فإن وطننا قد سرقته جحافل الذئاب .