الحرافيش يعانون.. يكدحون.. يتعبون.. لكنهم لا يتسولون.. هكذا حالهم وبه رغم كدر الحياة يعيشون.. أنّاتهم مكتومة لا يبوحون بها إلا لأقرانهم من أصدقاء الفقر والفاقة.. ولأننى منهم وهم منى أصبحت تلك المساحة هي ملجأهم وملاذهم كما يقولون لى دوما من خلال رسائلهم. تلك الرسائل التي نوجهها للحكومة برئيسها ووزرائها باعتبارهم المعنيين بحل مشاكل الشعب.. هذا إذا كانوا يروننا ضمن الشعب.. أم أنهم شعب ونحن شعب؟! أكتب تلك المقدمة بعد أن قرأت تلك الرسالة التي وصلتنى ضمن رسائل كثيرة جاءتنى هذا الأسبوع والتي سأعرضها عليكم في السطور المقبلة دون حذف أو إضافة: عزيزى الحرفوش الكبير.. تحية طيبة وبعد أنا يا سيدى فتاة من فتيات هذا الوطن.. ولدت على أرضه.. وعليها ذقت الأمرّين.. أعلم أننى قد كذبت عليك عندما وصفت نفسى بالفتاة.. ففتيتى قد ولت عنى منذ زمن بفعل العناء والشقاء الذي عشت بين ثناياه طيلة الخمسة والأربعين عاما التي هي عمرى في هذه الحياة، لكنهم كذلك يطلقون على من لم يصبها دور الزواج.. يقولون عنها فتاة.. وهكذا أنا يا سيدى قد اجتزت سن العنوسة بمراحل ولم يعد عندى أمل في الزواج بعد كل هذا العمر.. فمن ذاك الذي يتزوج مثلى _ فقيرة.. ضعيفة.. مريضة_ ويتفرغ لعلاجها؟! فهل في ذلك متعة لأى رجل مهما كان؟!.. لا أظن! أنا يا سيدى أدعى "حمدية محمد".. أسكن وحيدة داخل غرفة دون إضاءة بمنطقة الجيارة بمصر القديمة.. أعتمد على شمس النهار في رؤية أركانها وفى الليل أضيء شمعة آنس بضوئها الخافت حتى أنام بعد أن نحترق أنا وهى بنار الوحدة وآلام المرض. منذ أن ولدت وأنا أعيش في تلك الحجرة برفقة شقيقين اعتصرتهما الحياة حتى كبرا واستطاعا أن يتزوجا بكدهما وعرقهما ممن يشبهونهما فقرًا وقلة حيلة، الأمر الذي جعلهما يغفلاننى تماما ليس بإرادتهما ولكن بإرادة ضنك الحياة التي يعيشانها ويطمئنان على شقيقتهما بعض الشيء لأنهما يعلمان أننى أحصل على معاش شهرى من وزارة التضامن كامرأة دون عائل قدره 247 جنيهًا. الوحدة يا سيدى ورطوبة الصيف وبرد الشتاء كفيلة بقتل أي إنسان مهما بلغت فتوته.. فما بالك بفتاة مهزومة مكسورة لا تأتنس إلا بعنوستها التي تقتلها كل ليلة وفقرها الذي ينغص عليها حياتها كلما احتاجت لعلاج يهدئ آلامها؟! كل هذا يا سيدى جعل المرض يتسلل إلىّ حتى صرنا أصدقاء يعانى كل منا من الآخر بصفة يومية.. حتى تكوّن عندى "كيس دهنى على الكبد وكيس مياه على الكلى" وبت لا أقوى على التنفس بطريقة طبيعية. التقارير الطبية بمرضى موجودة، فكل الأطباء الذين زرتهم في المستشفيات الحكومية المجانية اتفقوا على كونى مريضة وأستحق العلاج على نفقة الدولة.. لكن وزارة الصحة لها رأى آخر.. فما زالت هيئة المجالس الطبية مصرة على أن تعطى تأشيرات العلاج لمن يأتون بالواسطة.. فلِمَ لا وهم اعتادوا ذلك منذ سنوات طويلة؟.. لا يعطونها إلا لأعضاء مجلس النواب وكبار الموظفين باعتبارها خدمتهم الوحيدة لمواطنى دوائرهم. فماذا تفعل مثلى يا سيدى وهى في حاجة ملحة للعلاج وليس لها تأمين صحى باعتبارها ليست موظفة في الحكومة.. أنا لا أدرى يا سيدى ما هو المعنى المراد بكلمة حكومة.. أنا لا أدرى يا سيدى ما هو المعنى المقصود بكلمة مواطن له حقوق.. فأى حقوق تلك التي يتشدقون بها في بلد لا يعالج فقراءه؟! أنا يا سيدى لا أرجو منك إلا نشر رسالتى هذه موجهة للحكومة تحت عنوان "عالجونا تجدونا"، فنصف الشعب يعانى مثلى المرض والفقر، فكيف لشعب مريض أن ينتج ويعطى ويتقدم؟ نحن شعب يعيش على الإعانات يا سيدى.. فلولا أن منت علىّ جمعية "رسالة" بسرير لأنام عليه كنت قد انتهيت من جراء الرطوبة والسقيع. قل لمسئولى الصحة في الحكومة يا سيدى إن فتاة وحيدة ليس لها أي عائل تريد العلاج على نفقة الدولة.. على نفقة الشعب ومن أموال ضرائبه وليس من جيوبكم الخاصة. وفى نهاية رسالتى يا سيدى لن أقول إلا "حسبنا الله ونعم الوكيل".. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!