إحجام الشباب عن الزواج قضية من أخطر قضايا المجتمع، ليس في مصر وحدها ولكن في معظم البدان العربية والإسلامية، والحق أن الإنسان ينزع بطبيعته للحياة في مجتمع ولا يحب أبدا أن يعيش منفردا وحيدا؛ فهذا ضد الطبيعة التي خلقنا الله عليها. والشباب من الجنسين يتطلعون دائما لتحقيق حلم حياتهم في شريك موافق متفاهم يمكن تحقيق السعادة معه وبناء أسرة طيبة.. ولكن هل الأمر ميسر لتحقيق هذا الأمل الإنساني السامي ؟ الكل يتشدق بالأقوال المأثورة: "خذوهم فقراء يغنهم الله"، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه (الحديث)" و"أقلهن مهورا أكثرهن بركة"، فإذا جاء أحدهم يطلب ابنته للزواج نسي ما كان يدعو إليه وأخذ يطلب زخرف الدنيا وزينتها. ولقد أدى إحجام الشباب عن الزواج لعدم القدرة على القيام بأعبائه إلى انتشار العنوسة ولجوء الشباب إلى الوقوع في المحرمات، وصدق قول الحبيب صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". الأمر ليس منوطا بالآباء والأمهات فقط بل هو معلق في رقاب ولاة الأمر بعامة ؛ فامتناع الحكومة عن تعيين الشباب وتوفير فرص العمل والعيش الكريم لهم يعد من أخطر الأسباب في هذه الظاهرة، ولا يعفى من هذه المسئولية أحد ؛ فكل وزير وكل مدير وكل من تولى أمرا من أمور الناس عليه العمل على توفير سبل حصول الناس على حقوقهم لتصبح الحياة سهلة ويصبح تحقيق الآمال فيها أمرا ليس بالعسير، وكما قال سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته".. فلنبدأ بتوفير سبل العيش للشباب حتى يبنوا مستقبلهم ويحققوا ذواتهم فيبحثوا عن الحلال ويبتعدوا عما حرم الله.. ومن المسئولين أيضا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وكل من يشارك في مواقع التواصل الاجتماعي ؛ فالإعلام بما ينشره ويذيعه من أفلام ومسلسلات وبرامج تدعو إلى الرذيلة من زنا وعربدة ومخدرات تجارة وتعاطيا - وتشجع عليها بتصويرها وكأنها أمر غير مرذول فهو صاحب النصيب الأكبر من المسئولية عن إفساد المجتمع وعزوف الشباب عن الزواج مادام يجد بغيته وينفس عن رغباته المكبوتة.. إن جرائم وسائل الإعلام أدت إلى أن صار الشباب يعربد علنا في الأماكن العامة ووسائل المواصلات، فإذا ما تمعر وجه شيخ مثلي ونظر إليهم غاضبا معاتبا فسوف ينال مالا يعجبه ولا يرضيه من الأقوال والأفعال ويذهب مشيعا بنظرات الاستغراب وكلمات الاستهجان.. ويقودنا هذا إلى مانع كان يحول قديما بين الشباب وبين ارتكاب هذه الفضائح علنا ألا وهو "شرطة الآداب" التي ذهبت إلى غير رجعة بعد أن كانت تطبق العقوبات الواردة في القانون تحت مسمى "ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام".. في أيام شبابنا كانت شرطة الآداب تلقى القبض على من يغازل فتاة أو امرأة في الطريق العام ويتم حلق شعره كاملا بالموس ليكون خزيا له وعبرة لغيره، واليوم صارت النساء والفتيات يتعرضن للتحرش بالقول والفعل، باللسان وباليد وما هو أفظع، وآلاف من مقاطع الفيديو تنتشر عبر مواقع التواصل وتنقلها عنها وسائل الإعلام فلا تحرك ساكنا لدى أحد.. فالمصيبة إذن عامة ولابد من تكاتف العقلاء والحكماء وأولي الرأي الرشيد في جميع المواقع لبحث كيفية الخروج من هذا المستنقع النجس وعودة الطهارة للمجتمع وإلا فلننتظر جميعا ودون استثناء - حربا من الله ورسوله.. يقول الحق في كتابه المبين: "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم".. هدانا الله جميعا للحق والخير ؛ فالحق أحق أن يتبع.