تخيل لو أن عنترة بن شداد ومعشوقته عبلة كانا يعيشان بيننا الآن وجاء عيد الحب كيف كانا سيحتفلان به؟ وأى الهدايا كان سيختارها العاشق الولهان لمعشوقته الجميلة.. وماذا لو سمع قيس بن الملوح فتاوى السلفيين التي تحرم الاحتفال بعيد الحب؟.. هل كان سيلتزم بتلك الفتاوى ويمتنع عن الاتصال ب «ليلى» ليقول لها «كل عام وأنت حبيبتى؟».. السطور القادمة تستعيد ذكريات الحب «حبيبة زمان» بإيقاع عصرى يتماشى مع التطور الكبير الذي حدث للحب والحبيبة. في مشهد حزين، يقود عنتر المجروح «التوك توك»، الخاص به، بعد أن عاد للتو من خناقة مع أولاد «أبو إسماعيل» في الشارع المجاور، عنتر يتذكر حبيبته عبلة، التي لا يراها أبدًا ويشدو برائعة إسماعيل الليثى: سألت كل المجروحين إيه اللى جرحكم كده، قالولى طيبة قلبنا بتعمل أكتر من كده، الدنيا جارحة ومتعبة، والناس غلابة متعذبة». وعنتر 2015 لمن لا يعلم، شاب قوى معروف في منطقة بولاق الدكرور، شهم نبيل، يحاسب على كل المشاريب لكل الناس الحلوة على القهوة البلدى، ولا يخاف من عمه الغنى المتعجرف، الذي يسكن في منطقة الزمالك. عنتر يعود إلى منزله: «إزيك يا حاجة، عاملالنا إيه النهاردة، الواحد هفتان وجعان وطلعان عينه فصال مع الزباين، الناس المعفنة بيفاصلوا في أجرة التوك توك، والواحد علشان قلبه طيب بس بيركبهم». والدة عنتر: «إنت جيت يا عنتر، مالك يا واد عفاريت الدنيا بتتنطط في وشك ليه، وبعدين أطبخلك إيه هو إحنا حيلتنا حاجة، انزل بقا هاتلك طبق كشرى ولا ساندوتشين فول من على عربية عمك بيومى». عنتر مستنكرًا: « عربية فول إيه يا ولية بقولك هفتان وجعان ووشى أصفر، إنتى لا يمكن تكونى أمى، إنتى أكيد مرات أبويا، إنتى مش هتقولولى برضه أنا أبويا الحقيقى مين، أنا حاسس إنى مش من بولاق، أنا حاسس إنى كان المفروض أعيش في صفط ولا في عين شمس، قولى بقا عرفينى السر اللى استخبى عنى طول السنين دى، الناس بتقولى يا عنتر ابن أمه، اوعى تكونى لقيتينى في صفيحة الزبالة، أنا قلبى حاسس خطفتينى من عند الناس الأكابر علشان آجى أعيش معاكى في بولاق». والدة عنتر: «خطفتك مين يا معفن، يا واد إنت مش شايف المناخير نفس المناخير، والعين نفس العينين والسواد نفس السواد، رجلك «المأشفة» هي نفس رجلى «المأشفة»، إزاى مش أمك يا حبيبى استهدى بالله وانزل هات الفول وبصلتين وإنت هتبقى كويس». عنتر يقرر الخروج من المنزل منفعلًا ويغنى مقطوعة شعرية لوالدته قائلًا «اشمعنى أنا مستقصدانى وجاية لية دايما عليا، اشمعنى أنا ده إنتى بقيتى بتفرحى بدموع عينيا، حطانى في دماغك زيادة عن اللزوم كرهانى، ليه معرفش أنا للدرجة ديه، دورت فيك على الأمان ومحستوش، الكل بيدارى في حقيقته ورا الوشوش، ما بقتش عارف مين معايا ومين عليا، إحنا في زمان الكل فيه ما بيرحموش». يسير عنتر هائمًا على وجهه في حوارى بولاق الدكرور، يخرج هاتفه الصينى من جيب بنطاله الجينز الساقط، ويتصل.. صوت رنين الهاتف بأغنية كول تون: «مش عايزة غيرك إنت، والله بحبك إنت، والدنيا عندى إنت، وإنت الناس كلها». يستمر الكول تون وفجأة ينقطع ويرد صوت ناعم، وبكل أنوثة يقول: «إيه يا زفت يا عنتر بقالك يومين مبتتصلش ليه، رجالة آخر زمن، ده الواد عمار بن فكيهة مبيبطلش رن عليا، مبتردش ليه، جالك داء الخرس، رد ياض، رد بدل ما وأجيلك، أنا من الزمالك آه، بس انت متعرفش حقيقتشى». وبكل فرحة يجيب عنتر: « إيه يا عبلة أحبيبة أقلبى، إنتى فين يا بت، وحشانى، أنا ممكن أعمل أي حاجة علشان خاطرك، أعبلة أحبيبتى، كتبتلك حتة شعرية كده لسه نازل عليا الوحى دلوقتى اسمعى يا حبيبة قلبى، آه يا واد يا حتة منى إيه آخرة البعاد من عطفك ليه حارمنى ومزود في البعاد، دوبنى الشوق وإنت المسئول، الحق عليه..الحق عليه». وترد عبلة بكل تأفف: « حق إيه يا واد يا عنتر.. جتك كسر حقك، إنت يا واد إنت مش هتيجى تطلبنى من أبويا بقى، أنا زهقت من الراجل ده وعايزة أتجوز». وفى هذه اللحظة، تجرى الدماء في عروق عنتر، يصمم على أن يتزوج عبلة، دون أن يقف أمامه أحد، يجرى بأقصى سرعة، وعبلة ما زالت على الجانب الآخر من الهاتف، تنادى عليه، لكنه لا يجيب، يتخذ من صوتها دفعة إلى الأمام، وفجأة يتوقف ويصيح بأعلى صوته « يا أبو عبلة لو كنت راجل انزلى..يا أبو عبلة أنا ماشى مع بنتك عبلة بقالنا 3 سنين، يا أبو عبلة أي عريس ييجى لعبلة هقتله..أظن الرسالة وصلت، انزل يا راجل إنت بدل ما أطلعلك وأفضحك في المنطقة». يتجه والد عبلة، ناحية الشرفة التي تطل على الشارع، يسمع عنتر صوت فتح الباب، يخرج والد عبلة ليجد عنتر قد أصبح عند أول الشارع هاربًا منه. يجرى عنتر مرة أخرى، عائدًا بعد أن أنجز مهمته ويغنى بكل فرح: «ده العو اللى أكل الجو جبته ورايا دار ياما لففته، والجن ابن العفريت اللى ميتشفش كشفته وشوفته، والبورمجى ياما علمته واللى بيجرح ألمته، طب واللى طايح مش عارف ولا فاهم خدته وفهمته، والصاحب اللى قالى سره ده أنا شيلت سره في قلبى كتمته، وعملت البحر طحينة، وقلبت اللانش سفينة، لو حرب انزل واتعامل بالرشاش «أبو سكينة»، لو حرب انزل واتعامل بالرشاش «أبو سكينة»». هكذا عاد عنتر منتصرًا، بعد أن تشجع وذهب إلى بيت عبلة، أي نعم هو لم يقابل والدها، إلا أنه كان شجاعًا، حتى النهاية، أما عن هروبه من والد عبلة فدائمًا يردد في نفسه « الجرى نص الجدعنة، والصياعة أدب مش هز كتاف». يعود عنتر ليجد أمه قد جهزت له صورة، وتركت المنزل إلى غير رجعة، الصورة هي صورته، نعم هو يعرف نفسه جيدًا عندما كان صغيرًا، كان دائمًا يلعب في الشارع ودائمًا ينسى ارتداء بنطلونه، لكن من هذا الرجل الذي يرتدى بدلة فاخرة، ولماذا ينظر إليه باستغراب، ويقول لنفسه « راجل شيك وبيبص على واحد من غير بنطلون أكيد بيشتم أمه المعفنة، هي الست دى راحت فين صحيح، يا أمة، يا ولية، يا أم عنتر، يقلب الصورة ليجد كلمات تغير حياته، عنتر وأبوه محمود بيه أبو السعد». يصعق عنتر من هذه الكلمات، هل هو فعلًا ابن هذا الرجل، هل فعلًا ما كان يشعر به من عدم انتمائه لبولاق الدكرور كان حقيقة، ولكن «محمود أبو السعد»، هل هو شقيق إبراهيم أبو السعد، والد عبلة، نعم الشبه واضح جدًا، هل تركه أبوه، هل تخلى عنه عمه، بعد أن مات أبوه، ما الذي يحدث؟ يعود عنتر للغناء، غير مصدق لما حدث: «ما بقاش عندى ثقة في حد، م اللى أنا شفته ف حياتي، زمان أنا خدت درس، وغلطتى ما ذاكرتهوش، أنا خدت الضربة بجد، من أقرب ناس في حياتي، مش أهلي دول والله لا أقسم بالله وحوش». يتحمل عنتر الصدمة ويتصل بحبيته عبلة: « عبلة أنا ابن عمك يا عبلة، عارف إنك مش مصدقانى بس أنا هثبتلك، والله أنا ابن عمك، مبترديش ليه يا عبلة؟» وبكل حزن ترد عبلة: «أنا عرفت كل حاجة يا عنتر، أبويا كان عارف من زمان وقالى، أنا مش هينفع أتجوزك يا عنتر وآجى أعيش معاك في بولاق، أنا بنت ناس وشيك، أنا هتجوز عماد، النهاردة، النهاردة كتب الكتاب، خلاص يا عنتر، كل اللى بينا انتهى». يقاطعها عنتر: «مستحيل». فترد: «أبويا اشترط عليك تدفع لي مهر. 1000 توك توك، وده طبعًا مستحيل» فيقاطعها مجددًا: «مفيش مستحيل»، ثم يتصل بعدد من أصحابه ويشكلون تشكيلا عصابيًا لجمع المهر المطلوب. فهل ينجح؟!