السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، المدعومة من أوربا الغربية، وبعض الوسطاء العرب كدويلة قطر، كارثية تفرخ الأزمات وتشيع الفوضى التي تسميها أمريكا «الفوضى الخلاقة» إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب على الإرهاب، أو قيادة تحالف دولى ضد تنظيم «داعش»، لا يمنحها الحق في أن تغسل أيديها من الإرهاب، الذي زرعته ورعته في منطقة الشرق الأوسط، كما إن احتضان العاصمة البريطانية «لندن» مؤتمرا دوليا لمكافحة الإرهاب، لا ينفى عنها أنها أبرز الدول الحاضنة لقيادات الإرهاب، وانتفاضة أوربا على الإرهاب في أي زمن ومكان، لا تختلف كثيرا عن تصدر رئيس الحكومة الإسرائيلية «الإرهابى الأول» بنيامين نتيناهو، مسيرة باريس المناهضة للإرهاب، على خلفية حادث الاعتداء على مجلة «شارلى إيبدو».. فما أكثر العواهر اللاتى يدعين الشرف، في كل زمان ومكان. ولو عدنا قليلا إلى الوراء، وتصفحنا أحداث التاريخ، بموضوعية وحياد، سوف نكتشف بسهولة كيف أن الولاياتالمتحدة وذيولها في أوربا الغربية كانت ولا تزال تعبث بمقدرات دول العالم وتتدخل في شئونها الداخلية، فغزو العراق «2004»، خلّف لنا بلدا منهارًا، يستحيل حكمه، ونظام حكم مفككًا وقائمًا على المحاصصة الطائفية والإثنية، نظام تنخره الصراعات الشخصية والمصالح الخاصة والحزبية الضيقة وتأكله آفة الفساد، ومصيره الحتمى هو التفتت والتقسيم، كما أدخلت سوريا في دوامة الحرب الأهلية، حيث الدمار والخراب والتهجير والقتل والذبح بوحشية ومصيرها أيضًا التفتت والتقسيم، وها هي اليمن دخلت أتون الحرب الأهلية والصراعات المحمومة التي لن تضع أوزارها قريبا، وعلى نفس الدرب المنكوب سارت ليبيا، بعدما غدا مصيرها في قبضة الميليشيات والعصابات المسلحة وصراع القبائل وطغيان الجماعات الإرهابية، وكانت تصيغ المصير ذاته لمصر، ولكن الله سلم. فالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، المدعومة من أوربا الغربية، وبعض الوسطاء العرب كدويلة قطر، كارثية تفرخ الأزمات وتشيع الفوضى التي تسميها أمريكا «الفوضى الخلاقة» وتحفز نشوء الجماعات المتشددة التكفيرية والإرهابية وتدعمها وتمدها بالمال والسلاح وتحتضن قياداتها إذا ما فروا إليها، وعندما ترتد إليها سهام إرهابها، تبكى كالمرأة الثكلى، وتمزق وجهها من اللطم وتقطّع ثيابها، حتى ينتبه القوم لمصابها الكذوب. في مقال مهم يشخص الحالة الراهنة، عنوانه: « مسخرة الحرب على الإرهاب: إرهابيون بقناع الإنسانية»، أكد الحقوقى الجزائرى أنور مالك، أن أطرافًا كثيرة تدَّعى محاربة الإرهاب وهى أول من يمارسه، نافيًا أن يكون للإرهاب خصوصية إسلامية، مبرهنا على ذلك بقوله: إن أشهر جرائم الإبادة وقعت بسبب إرهاب علماني، كالثورة الفرنسية بفرنسا، والنازية في ألمانيا، وفاشية موسيلينى في إيطاليا، والحركة الصهيونية في فلسطين، ومليشيات الخمير الحمر في كمبوديا، وإبادة المسلمين في أفريقيا الوسطى وإبادة الروهينجا في بورما. وللتأكيد على أن الإرهاب هو صناعة غربية بامتياز، استشهد الكاتب بما ورد بكتاب «في الدفاع عن الإرهاب: الحرية أو الموت في الثورة الفرنسية» للكاتبة الفرنسية صونى وانيش، التي قالت فيه: «صيغت كلمتا «إرهاب» و»إرهابيون» في فجر الثورة الفرنسية لوصف «الرجال الدمويين» الذين أسَّسوا ومارسوا ميكانيزمات القمع المخيف». كما ذكر «مالك» أن أول هولوكست في العصر الحديث حدث في فرنسا، عندما أباد جيش الثورة الفرنسية نحو ربع مليون من سكان «فاندي»، بينهم 30 ألفًا أدينوا أمام قضاء استثنائي، كما ارتكبت فرنسا مجازر في الجزائر بينها مجزرة نفذتها في العام 1945 والتي سقط فيها أكثر من 45 ألف جزائري، كما أباد الألمان شعوب الهيريروس في جنوب غرب أفريقيا «ناميبيا حاليًا» بين عامى 1904 و1907، وبذلك دشنوا أولى الإبادات الجماعية في القرن العشرين، كما أبادت الولاياتالمتحدة ما لا يقل عن 40 مليون إنسان لأجل مصالحها. واعتبر «مالك» أنه ليس هناك ما يثبت أن المسلمين مارسوا الإرهاب، مشددا على أن كل عمليات العنف جاءت كرد فعل على إرهاب مارسه الغرب، سواء كان أثناء الاحتلال العسكري أو الاحتلال الاقتصادى أو التدخل في شئون الدول الإسلامية ولصالح قوى محتلة مثل الصهيونية. ونوه الكاتب إلى أن المسلمين في الفتوحات الإسلامية لم يقتلوا المدنيين ولم يدمروا القرى، وحروبهم تنتهى دائمًا بأعمال مدنية وحضارية لصالح السكان الأصليين بمجرد أن تستسلم الجيوش المعادية وتضع الحرب أوزارها، ما جعل «ول ديورانت» يصفها في كتابه الشهير «قصة الحضارة» بأنها «أعظم الأعمال إثارة للدهشة في التاريخ الحربى كله»، ما يراه الكاتب دليلا واقعيا على أن الإرهاب ليس صناعة إسلامية بل غربية بالأساس. واللافت أن مستشرقين ذهبوا إلى ما ذهب إليه «مالك»، حيث قال المستشرق جوستاف لوبون: «اقترف الصليبيون من الجرائم ما لا يصدر عن غير المجانين، وكان من ضروب اللهو عندهم تقطيع الأطفال إربًا إربًا وشيّهم». وفى كتابه..»الإرهاب صناعة غربية.. لا عربية ولا إسلامية»، أورد مؤلفه مصطفى عطيفى تقارير ووثائق تؤكد تورط الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية في صناعة الإرهاب وتوفير الغطاء اللازم له ورعايته ومده بكل ما يلزم من مال وسلاح، واحتضان قياداته الهاربين إذا لزم الأمر، كما يتناول دور المنظمات الإرهابية الغربية في مساعدة الإرهابيين وتدريبهم، كما يشرح كيف تحققت مصلحة الهيمنة الغربية، تحت ستار مكافحة الإرهاب، ما جعل العالم العربى الضحية، أو ما حاول مقاربته المؤلف بأنه نوع من المكافحة والمساندة في آن واحد للعرب. وفى مقال عنوانه «الإرهاب صناعة غربية».. رأت مؤلفته الكاتبة العراقية ماجدة غضبان، أن الغضب العالمى يتوجه الآن ضد الإسلام وأهله، فهذا لا يعنى أن الآخر لا يتبنى العنف ويتخذه منهاجا وأسلوب حياة، بل «لأن الناس تريد عزاء تلطم فيه، ولابد من إيجاد مجرم تنتقم الجموع منه لصالح ضياعها وحيرتها إزاء أزمات العالم الاقتصادية، والمجرم الذي اختير ليتمزق لحمه بين المنتقمين لأنفسهم من ضياع، وسط أنفاق الحضارة التي ضاقت عليهم هو الإسلام». وأردفت الكاتبة قائلة: «إن المسلمين حقا لا يمتلكون قدرة تنظيم عشرة أشخاص وقيادتهم نحو هدف معين، لكن غيرهم فعل، ونظم، والمسلم إنسان بسيط يبحث عن وجوده أيضا وسط اللغط، فكان توظيفه للإرهاب سهلا ويسيرا، أصبح المسلم إرهابيا ومغضوبا عليه». وفى كتابه «صدام الحضارات» رأى هنتنجتون، أن نموذج صدام الحضارات يوفر خريطة سهلة لفهم ما يجرى الآن ولاحقا، ومن ثم فإن الكثير من التطورات الحاصلة بعد الحرب الباردة يمكن استنتاجها من نموذج صدام الحضارات، ومن هذا المنظور يوضح الكاتب أن الدين هو الحجر الأساس الذي يستند إليه في تعيينه للحضارات المختلفة، إذ قد يشترك البشر في أصولهم الإثنية واللغة التي يتكلمونها، ولكن أصولهم الدينية تجعلهم ينتمون إلى حضارات مختلفة. «هنتجتون» يقسم العالم إلى ديانتين رئيسيتين، هما: المسيحية والإسلام، حيث تضمان بين جوانحهما أعراقا بشرية مختلفة، ونلاحظ في هذا التشديد رغبة في إقامة فاصل بين عالم الغرب المسيحى والإسلام، تمهيدا للتشديد على أن عدو الغرب الماثل والمهدد هو الإسلام، وهكذا يتضح أن عقلية البحث عن عدو تحكم الكتاب الذي يعد مرجعية مهمة في صراعات الغرب والشرق. وفى الصفحات التالية.. نستعرض بالوثائق والأدلة تورط الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا في صناعة الإرهاب ودعمه ورعاية قياداته..