المستشار الغريانى رئيس الجمعية التأسيسية للدستور كان من أكثر المدافعين قبل ثورة يناير عن استقلال القضاء.. فما الذى تغير إذن?! كنا ننتظر منه أن ينحاز إلي استقلال السلطة القضائية في الدستور الجديد ولا يسمح لأحد مهما كان موقعه أن ينال أو يعبث بها.. فهل انشغل سيادة القاضى فيما هو أهم?! المهم عندما طالبه عدد من ممثلى الفلاحين والعمال بإعادة نسبة ال 05٪ الخاصة بهم فى المجالس النيابية إلى الدستور فإذا به ينتفض وهو القاضى الهادئ قليل الكلام يشن هجوما شديداً لم يتوقعه أحد أبدا على ثورة يوليو، واصفاً إياها بأنها كانت أكبر عملية نصب فى التاريخ منذ عام 2591 حتى ثورة 52 يناير المجيدة.. وإذا به يقول: لا تنخدعوا بنسبة ال 05٪ التى منحتها الثورة للعمال والفلاحين ،لأنه لم يستفد منها أحد واستغلوها لصالحهم، وكيف أن لواءات الشرطة وغيرهم كانوا يترشحون بصفة فلاح أو عامل.. ربما يكون المستشار الغريانى على حق فى ذلك، ولكن ليس معنى ذلك أن يتهم ثورة يوليو بالنصب، فهى حققت الكثير، ولولاها ما كان أبناء الفقراء والموظفين والفلاحين والعمال التحقوا بالجامعات، وتخرجوا فيها ليشغلوا أهم الوظائف فى الدولة «ضباط ووكلاء نيابة الخ.....». طبعا كان رد الفعل عنيفا من قيادات الأحزاب الناصرية التى شنت هى الأخرى هجوماً شديداً على تصريحات الغريانى واتهمته بالانحياز لجماعة الإخوان التى تتحكم فى كتابة الدستور متسائلين إذا كانت ثورة يوليو -وهى كأى ثورة لها ايجابيات وسلبيات- لم تنتصر للعمال والفلاحين ولم تنحز لهم فمن انتصر لهم إذن؟! وإذا كان الغريانى المفترض فيه الحياد والموضوعية يرى أن ثورة يوليو بكل منجزاتها «نصب» فكيف سيصف إذن الجمعية التأسيسية الحالية التى تحاول سلق وتمرير أسوأ دستور فى تاريخ مصر.. وهو رئيس لها؟! ما كنا نتمنى أن ينزلق الغريانى فى مثل تلك التصريحات الحادة التى تضر أكثر ما تدفع وتفرق بين أبناء الوطن الواحد فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى لم الشمل. نعود إلى استقلال القضاء الذى يحاول البعض الآن العبث به، وهو ما ظهر جليا فى مسودة الدستور الجدي،د وعبرت عنه عمومية القضاة وترى فى الباب المطروح الخاص بالسلطة القضائية بأنه معيب، وبه عوار وفتنة، ويقوض دعائم استقلال القضاء.. لذلك طالبت عمومية القضاة فى اجتماع غير عادى بحضور رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى برفع باب السلطة القضائية من مسودة الدستور، واستبدالها بباب يكتبه القضاة من خلال المجلس الأعلى والنادى ليحوى كل الضمانات المطلوبة لتحقيق استقلال القضاء ومنع تغول السلطة التشريعية والتنفيذية على السلطة القضائية -وهو مطلب مشروع- يجب أن ينحاز إليه المستشار الغريانى بل يدافع عنه بقوة وأيضاً كل أعضاء التأسيسية والشعب المصري. لقد تعرضت السلطة القضائية فى مصر إلى ضغوط وتدخلات كثيرة تهدف إلى سلبها من السلطات التى توفر لها الحماية والاستقلال اللازم لأداء دورها فى التمكين للعدالة وسيادة القانون. وللتاريخ فإن نادى القضاة تصدى -ومازال- لكل الحملات التى شنها البعض على السلطة القضائية لتحقيق أهداف خاصة رأوا أن القضاء يقف حائلاًَ بينهم وبين تحقيقها. يا أعضاء التأسيسية.. لا تسمحوا لأحد بالعبث بالقضاء العادل وابعدوه عن «التسييس».. فالقضاء العادل المستقل هو ضمير الأمة، وهو المدافع عن المظلومين وهو الذى يقتص للمجتمع بكل نزاهة وعدالة.. اتركوا مؤسسة القضاء منزهة مستقلة وبعيدة عن الصراعات السياسية فلا يمكن أن تنهض دولة وتستقيم أمورها دون وجود قضاء مستقل وعادل