جيش الاحتلال الإسرائيلى ينسف منازل فى المنطقة الشرقية بغزة    جاهزون.. متحدث مجلس الوزراء: أنهينا جميع الاستعدادت لافتتاح المتحف الكبير    بعد تسجيله أكبر قوة.. إعصار «ميليسا» يتحول إلى «كارثة محتملة» تهدد جامايكا (تفاصيل)    ترامب يتوقع زيارة الصين العام المقبل ويرجح استقبال «شي» في أمريكا    سيتخذ القرارات في غيابي، رد مثير من الخطيب حول سر إقالة سيد عبد الحفيظ وعودته المفاجئة    تحرك طارئ من وزير الشباب والرياضة بعد تصريحات حلمي طولان (تفاصيل)    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في مصر.. عيار 21 بكام الآن بعد الانخفاض الأخير؟    مسلسل ورود وذنوب الحلقة 4.. موعد العرض والقنوات الناقلة وأبطال العمل    محمد رمضان يروج لأغنيته الجديدة ولا ليلة مع imanbek قبل طرحها الأربعاء    هزة في "أسطول الظل"، ثاني أكبر شركة للنفط الروسي تعلن بيع أصولها بعد العقوبات الأمريكية    جامعة المنيا تستعرض إنجازات تطوير الطاقة الفندقية لدعم السياحة وجذب الطلاب الوافدين    استقبال رسمي مهيب، لحظة وصول شيخ الأزهر إلى قصر الرئاسة الإيطالي في روما (فيديو)    بسبب تجاهل اسمه.. الملحن محمد يحيى ينتقد عمرو أديب بعد حلقة الحاجة نبيلة: أنا صاحب الفكرة    قرار مُهم بشأن المتهم بدهس طفل بسيارته على طريق مصر أسيوط الزراعي    موسكو تفند اتهام واشنطن لها بنيتها البدء بسباق تسلح نووي    أردوغان يدعو إلى "سلام عادل" لإنهاء الحرب في أوكرانيا    المتحف المصري الكبير يحصد 8 شهادات ISO دولية تأكيدًا لالتزامه بمعايير الجودة والاستدامة العالمية    مناخ جاف وطموح مشترك.. دعوة أسترالية للاستثمار في الثروة المعدنية بمصر    «لاماسيا مغربية» تُبهر العالم.. وإشراقة تضيء إفريقيا والعرب    #عبدالله_محمد_مرسي يتفاعل بذكرى مولده .. وحسابات تستحضر غموض وفاته ..فتش عن السيسي    والد ضحايا جريمة الهرم يفجر مفاجأة: بنتي مازالت عذراء    الزناتي يشارك في احتفالية اليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    زلزال بقوة 6.1 درجة يهز منطقة سندقلي في ولاية بالق أسير التركية    في طريقه إلى «الطب الشرعي».. وصول جثة أسير جديد ل إسرائيل (تفاصيل)    رئيس محكمة النقض يزور الأكاديمية الوطنية للتدريب    «زي النهارده».. وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين 28 أكتوبر 1973    لتعزيز الانتماء.. وكيل نقابة المرشدين السياحيين يطالب الحكومة بزيادة إجازة احتفال المتحف الكبير ل 3 أيام    تصل إلى الحرائق.. 6 أخطاء شائعة في استخدام الميكرويف تؤدي إلى كوارث    دراسة| تأخير الساعة يرفع معدلات الاكتئاب بنسبة 11%    إصابة واحدة من كل خمس، دراسة تكشف علاقة التهاب المسالك البولية بنظافة المطبخ    عضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني يطمئن على الدباغ وكايد    «الداخلية» توضح حقيقة زعم أحد المرشحين بالأقصر تعنت مركز شرطة القرنة في الإفراج عن نجله    رياضة ½ الليل| الخطيب يعترف بالعجز.. موقف انسحاب الزمالك.. ثقة تخوف بيبو.. وصدمة قوية للملكي    الأرصاد تحذر من شبورة كثيفة وتقلبات مفاجئة.. تفاصيل طقس الثلاثاء 28 أكتوبر في جميع المحافظات    درس في المرونة وتقبل التغيرات.. حظ برج الدلو اليوم 28 أكتوبر    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء محاولة اختطاف فتاة في أكتوبر    شبانة عن أزمة دونجا: كل يوم مشكلة جديدة في الكرة المصرية    مفاجأة.. الزمالك يفكر في إقالة فيريرا قبل السوبر وتعيين هذا المدرب    عودة الحركة المرورية على طريق بنها شبرا الحر بعد حادث التصادم    أمن القليوبية يكثف جهوده لضبط المتهم بسرقة مشغولات ذهبية من عيادة طبيب أسنان    وزير الاتصالات يختتم زيارته لفيتنام بلقاءات استراتيجية| تفاصيل    32.7 مليار جنيه إجمالى قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة اليوم الإثنين    ذاكرة الكتب| تدمير «إيلات».. يوم أغرق المصريون الكبرياء الإسرائيلى فى مياه بورسعيد    أبوريدة يحسم الملفات الحائرة بالجبلاية.. المفاضلة بين ميكالي وغريب لقيادة المنتخب الأولمبي    «العمل» تُحرر 338 محضرًا ضد منشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    «Gates»: انضمام «عز العرب» إلى عملائنا بمقر رئيسى في «Space Commercial Complex»    زاهي حواس: كنت أقرب صديق ل عمر الشريف وأصيب بألزهايمر فى أخر أيامه ولم يعرفنى    محافظ قنا يشهد تخريج مدارس المزارعين الحقلية ضمن مشروع تحديث الري    من حقك تعرف.. ما هى إجراءات حصول المُطلقة على «نفقة أولادها»؟    تأييد المشدد 7 سنوات لمتهم بتزوير عقد سيارة وبيعها    بعد مأساة الطفل عمر.. كيف تكشف لدغة ذبابة الرمل السوداء التي تُخفي موتًا بطيئًا تحت الجلد؟    انتبه إذا أصبحت «عصبيًا» أو «هادئًا».. 10 أسئلة إذا أجبت عنها ستعرف احتمالية إصابتك ب الزهايمر    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسري فودة.. «في طريق الأذى».. حكايات «الوجه الآخر لرجال القاعدة وأمير قطر».. «سيجارة» تكشف رئيس اللجنة العسكرية للتنظيم.. «حمد» رجل ال«CIA» في «الجزيرة».. و«مافيا الجهاد» تطلب مليون دولار ل«الشرائط»
نشر في فيتو يوم 03 - 01 - 2015

لا تحاول أن تمنحه "صك الغفران" لمجرد قراءتك لإهداء كتابه الأول، ولا تسارع بالبحث عن صحيفته الجنائية ل"تضيف لها اتهامات جديدة"، لكن النصيحة التي يفضل أن تلتزم بها فور حصولك على كتاب "في طريق الأذى.. من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش"، الصادر عن دار "الشروق" للنشر، هي "انتظر..فالأغرب لم يأت بعد".
لم يحاول صاحب كتاب "في طريق الأذى" الإعلامي الشهير يسري فودة، لعب دور "سوبرمان"، لكنه اكتفي برفع لواء "الأرزاق على الله"، فلم يكتب مثلا أن شهرته كانت هي السبب الرئيسي في اختياره لمحاورة "العقول المدبرة لهجمات 11 سبتمبر"، حيث أشار في الصفحات الأولى من مؤلفه إلى أن مؤسس تنظيم القاعدة، الراحل أسامة بن لادن هو صاحب اختياره ل"محاورة الإخوة"... واكتفي..!
"فودة" كان بامكانه إضافة "حبكة درامية" ل" في طريق الأذي" لكنه، وللمرة الثانية، ترك الأمور تسير في سياقها الطبيعي، متيقنا أنه "التشويق" و"الأكشن" أيضا سيكون له مكان في الكتاب، ولن يفرضه "غرور المؤلف".
"فودة" قرر أن يبدأ بما يمكن وصفه ب"الخلاصة"، اختار أن يكتب مقدمة "مختصرة وكافية شافية"، أوضح فيها غالبية الجوانب التي أحاطت ب" السبق الصحفي" سواء في لقائه ب"العقليات الإرهابية التي أعطت أمريكا صفعة قوية على وجهها"، أو بمقابلاته مع "الدواعش".
وإن كانت البداية التي قرر "فودة" أن تكون "مقدمة" صادمة بعض الشيء لكن من خلالها أيضا يمكن ربط الأحداث التي حدثت – وقتها- بالنتائج التي أصبح عليها الواقع الآن، سواء واقع "يسري" أو واقع "الشرق الأوسط".
فتح "فودة" خزائن أسراره قائلًا: "صباح الرابع عشر من يونيو عام 2002 كانت قناة الجزيرة على موعد مع أكبر خبطة صحفية في تاريخها، عندما دخل فودة إلى مبناها في الدوحة محملا بمفكرته وأسراره التي بدأ يكشف عنها، لم تكن شرائط لقائه بزعماء القاعدة قد وصلت بعد، لكنه كان قد بدأ يشعر بأن الوقت قد حان كي يطلع رؤساءه في العمل على الأمر".
ليست هذه كلماتي، بل هي كلمات الصحفي والكاتب الأمريكي الكبير رون ساسكنيد، الفائز بأهم جائزة صحفية في الولايات المتحدة، المقرب من الدوائر السياسية والأمنية في واشنطن. اتسعت عيناي دهشة وشغفا وهما تلتهمان سطور كتابه "مبدأ الواحد في المائة"، وهو يرسم بمعلومات استقاها، كما يقول، من مصادر المخابرات الأمريكية صورة دقيقة مثيرة لمنظور هام لمشهد يخصني، مشهد من أهم المشاهد في حياتي.
وأكمل "يسري" بقوله: دفعت بي الأقدار، دون إرادة مني إلى أن أكون جزءا من قصة ضخمة كنت من الالتزام المهني والأخلاقي بحيث جلست عليها أربعة وخمسين يوما بالتمام والكمال دون أن أخبر روحا، فيما كانت المخابرات الأمريكية ومخابرات العالم كله تضرب أخماسا في أسداس. لكنني أيضا كنت من التواضع الإنساني بحيث أدركت أن ما كنت أستطيع أن أراه بعيني كان فقط جانبا من المشهد، وأنه لابد أن للمشهد جوانب أخرى كثيرة معقدة. ما هي؟ ما طبيعتها ؟ ومن أبطالها؟ كانت كلها وغيرها أسئلة مرجأة لا موقع لها الآن، وقد عدت قبل قليل بأول اعتراف مباشر لتنظيم القاعدة من أفواه العقول المدبرة، وشرح مستفيض لكيفية التخطيط لعملية الحادي عشر من سبتمبر.. بالتفاصيل، ذلك النوع من التفاصيل الذي يمكن اختبار صدقه بسهولة.
موجها حديثه للقارئ أكمل "فودة" قائلا: ماذا تفعل لو كنت مكاني؟ خارجا للتو من أحد المنازل الآمنة لتنظيم القاعدة في مدينة كراتشي الباكستانية وفي جعبتي اعترافات رئيس اللجنة العسكرية للتنظيم، خالد شيخ محمد، والمنسق العام لعملية 11 سبتمبر، رمزي بين شيبة.
الأمريكان في كل مكان في أفغانستان وفي باكستان. القاعدة مشردة كا لم تشرد من قبل. لا أحد في قناة الجزيرة ولا في غيرها يعلم أين أنا ولا من قابلت. أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تحت الأرض، والعالم كله في حالة مخاض. ثم فجأة.. في جعبتي، أنا العبد الفقير إلى الله، معلومات تساوي 50 مليون دولار.
"ماذا تفعل لو كنت مكاني؟ القنصلية الأمريكية في كراتشي على بعد خطوات. أم أنتظر حتى عودتي إلى لندن، محل إقامتي؟ أم أتصل بأحد ما في واشنطن؟... 50 مليون دولار! حتى لو كان الأمريكان بخلاء ولن يوافقوا إلا على 10 ملايين، أو حتى خمسة، فلن أكون في حاجة إلى العمل بعد ذلك. أليس كذلك؟.. من السهل الآن يتكي المرء على مقعده ويقلب المسألة يمينا وشمالا من منطلق نظري بعد مرور نحو ثلاثة عشر عاما. لكنني، وأنا أدرك ذلك، كنت أدرك أيضا أن أمامي جيشا من التحديات، وعلي رأسها أن أتغلب على نفسي أنا أولا حتى وأنا أعلم أنني حين أفعل ذلك سأتهم بالمداراة على "إرهابيين" قتلوا ثلاثة آلاف إنسان في مشهد مروع قبل أشهر قليلة من تلك اللحظة.
المخابرات الأمريكية.. وحكاية "سمو الأمير" الجاسوس
وعن موقف قناة الجزيرة وحقيقة العلاقة التي تربط الأمير بال"سي أي إيه" قال "فودة": جوهر ما دار بيني وبين كبار المسئولين عن قناة الجزيرة آنئذ في الدوحة موجود بتفاصيله في موضع لاحق من هذا الكتاب، لكن الأمر استغرق أكثر من أربع سنوات قبل أن تتاح لي معرفة ما حدث من ورائي أثناء وجودي في الدوحة وفي أعقاب عودتي إلى لندن عندما نشر "ساسكيند" كتابه عام 2006، يقول نقلا عن مصادر استخباراتية، إن جورج تينت مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي إيه) آنئذ، دخل في ذلك اليوم إلى اجتماع في الخامسة مساء وهو يكاد ينفجر، أصر وهو يتخذ موضعه على طاولة الاجتماعات على تغيير جدول الأعمال، وعلي أن يبدأ هو الحديث: " كما تعلمون، كان لدينا خلافاتنا مع صديقي الأمير ( يقصد أمير قطر آنئذ، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ).. ولكنه اليوم أعطانا هدية مذهلة ".
يستطرد "ساسكيند" قائلا: إن تينت عرض التفاصيل التي بلغته من الأمير فيما يخص لقائي بالمسئولين عن قناة الجزيرة، وهو مستمتع فخور بما لديه، قبل أن يقول لمساعديه بطريقته التقليدية المعروفة عنه: " In other words the fat f*** come through "
وقال "فودة": لأسباب واضحة، لا داعي لترجمة هذه العبارة الأخيرة لكنها – إن صح إسنادها- تكشف لكل حاكم عربي ولكل مسئول " متعاون" كيف في واقع الأمر يراه "أصدقاؤه" في واشنطن حتى وإن قدم كل ما يملك تقربا إليهم. ذلك حتى في خضم حاجتهم إليه، فما بالك حين تنتهي صلاحيته؟ مثلما يكشف الأمر كله أن الحقيقة ظاهرة في يوم من الأيام مهما حاول أحدهم إخفاءها، ومهما اجتهد الأمير وفقا لما ورد في الكتاب، في استحلاف صديقه مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية أن يبقي الأمر سرًا.
الطريق إلى القاعدة.. دعوة إلى المجهول
التزم "يسري فودة" في وصفه ل" الطريق إلى كبار القاعدة" ب" الدقة"، لم يستخدم عبارات إنشائية، ولم يشأ أن يدخل القارئ في "دهاليز مخابراتية"، لكنه، وبحرفية معروفة عنه، وضع على عيني القارئ نظارة "ثلاثية الأبعاد"، وجعله مشاركا في اللحظات الأولى ل" السبق الصحفي" حيث قال: ذات صباح في الأسبوع الأول من شهر أبريل 2002 دق هاتفي المحمول، بينما كنت أهم بالدخول إلى مكتبي الجديد، لم أكن قد استقريت بعد في المكاتب الجديدة لقناة الجزيرة في لندن، التي تقع مباشرة على الضفة الجنوبية لنهر التيمس، لكنني كنت مستمتعا بمغازلة هذه الحقيقة الساخرة: أنني أستطيع الآن من مقعدي أن أرى بكل بوضوح، عبر النهر العتيق، النوافذ القابضة للمبني الغامض الذي يقع أمامي مباشرة على الضفة الشمالية ولا يحمل عنوانا ولا تجد له أثرا على أي خريطة، يسمي فقط "بيت التيمس" لكنه في الواقع مقر الذراع الداخلية لجهاز الاستخبارات البريطاني MI5.
على الخط كان صوت لم أتعرف عليه. "السلام عليكم يا أخ يسري. أنا فاعل خير". أتي صوت عطوف بلسان عربي فصيح موحيا لأول وهلة بأن صاحبه على درجة من التدين. ثم لم يدخل في مقدمات كما هي غالبا عادة المتصلين من العرب. "نرجو أن يكون قد خطر ببالك أن تعد برنامجا خاصا للذكري الأولى". لم يشرح أي ذكري يقصد لكنه مضي سريعا،" إن كان الأمر كذلك فإننا في استطاعتنا أن نمدك بشيء خاص، سري للغاية". لم يمض أكثر من عشرين ثانية تقريبا قبل أن يطلب "فاعل الخير" الذي قررت بعد ذلك، تسهيلا للأمور، أن أسميه "أبو بكر" رقم جهاز الفاكس الخاص واستأذن في قطع الاتصال.
"وسيط القاعدة".. لقاء الغرفة 322
كان قد مضي على الأحداث الدامية في نيويورك وواشنطن نحو سبعة أشهر حتى وصول تلك الرسالة ممن بدأت أفهم أنه أحد وسطاء تنظيم القاعدة، ولم يكن أحد بعد قد أعلن مسئوليته عن مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، ورغم أن الإدارة الأمريكية أصدرت حكمها مباشرة على بن لادن مثلما أعدت الحكومة البريطانية لائحة ادعاء ضده فإن دليلا واقعيا دامغا من نوع ذلك الذي يمكن له أن يصمد أمام محكمة لم يقدم للناس، لكن غياب ذلك الدليل لم يردع الولايات المتحدة عن التحرك على أي حال، فبعد أقل من شهر شن الأمريكيون هجومهم على أفعانستان وخلعوا حكومة طالبان التي كانت تستضيف بن لادن.
ويمضي "فودة" في سرد تفاصيل المكالمات الهاتفية والفاكسات التي تلقاها من "وسيط القاعدة" حتى وصوله ل"إسلام أباد" ولقائه ب"الوسيط" وجهًا لوجه، وقال عنه: بعد نحو نصف ساعة كانت الغرفة رقم 322 في فندق "ريجينت بلازا" مسرحا لأول لقاء لي بأحد أعضاء تنظيم القاعدة، هرولت من الحمام عندما سمعت دقة على الباب، وعندما فتحته وجدت أمامي رجلا طويلا أسمر اللون في منتصف العمر، يبدو عربيا وإن كان يرتدي الزي الباكستاني التقليدي (سروال وقميص).
لم ينتظر الرجل دعوة وإنما اندفع مباشرة داخل الغرفة وهو يغلق الباب في الوقت نفسه، لم يمد يده للتصافح، ولا خده للقبلات، بل هم بعناق من ذلك النوع المنتشر بين السودانيين: مد ذراعه الأيمن إلى كتفي الأيسر، وعانقني يمينا وشمالا، رغم أن عينيه لأول وهلة كانتا زائغتين في أرجاء الغرفة وتفاصيلها كان ثمة إحساس فوري بالثقة بيننا.
سيجارة "خالد شيخ محمد".. وفتوى "رمزي بن شيبة"
لم يحاول "فودة" في حديثه عن اللقاء الذي جمعه و"خالد شيخ محمد" و"رمزي بن شيبة" أن يضفي عليهما صورة مغايرة للواقع، فلم يصنع منهما إرهابيين يستحقان القتل "رميا بالرصاص"، وفي الوقت ذاته لم يجعل القارئ أسيرا ل"سيناريو العمالقة" لكنه قدم "إنسان" يصنع أكله وحيدا، ويغضب عندما يحدث ما يغضبه، ويضحك عندما يكون الضحك أمرا واجبا، ويتغاضى عن بعض تعاليمه إرضاء لرغبة ضيفه.
"فودة" – المدخن الشره- وجد نفسه في أمس الحاجة ل"سيجارة"، وفي الوقت ذاته يخشي من مصارحة مستضفيه ( خالد شيخ محمد ورمزي بن شيبة)، وعن هذا المأزق قال "فودة": مرت الآن أربع ساعات دون سيجارة، كنت فخورا بقدرتي على تحملها، لكنني بعد قليل لم أكن على استعداد لدخول التاريخ دون مقاومة، كانت تلك الساعات الطوال وأجواء الترقب التي سبقتها قد بلغت مني مبلغها، ولم أكن أدري تماما كيف أفتح الموضوع، انحني رمزي كي يضع طاولة الشاي على الأرض، فسألته في تردد واضح وهو يهم بالتقاط كوبه: " أنا أعرف أنه ربما لا ينبغي على أن أفعل ذلك، ولكن هل لي في أن أنتحي جانبا لتدخين سيجارة؟"... وكأن أمله قد خاب، بدأ رمزي في إلقاء محاضرة في الدين والأخلاق والصحة والاقتصاد على، لكن المفاجئ أن خالد هو الذي تدخل قائلا: "مهلا، مهلا علي الرجل طالما أنه يعلم بمضارها سيقلع عنها إن شاء الله".
كانت تلك ربما أهم سيجارة دخنتها على الإطلاق، فسوي أنها ساعدتني على شحذ تركيزي، كانت أيضا مؤشرا إلى أنني أستطيع أن أكسب اثنين من أهم أعضاء تنظيم القاعدة إلى صفي.
المافيا تتفاوض على "تسجيلات القاعدة"
التعامل مع قيادات وعناصر من تنظيم القاعدة لم يكن في بنوده "المقايضة"، ولم يدر في عقل "فودة" أن يقع في "قبضة المافيا"، غير أن الأحداث التي جرت بعد ساعات قليلة من عودته ل"الدوحة" أكدت أن "فودة" كاد أن يقع في الفخ الإرهابي، وأيضا أن إخراجه من هذا الفخ تم ب"مساعدة إرهابيين" حيث قال تحت عنوان "مافيا على الخط":
"كان من الواضح لمن يراه أن وسيط القاعدة أبو بكر يعاني من ضيق اليد، كان دائما رث الهيئة، جائعا، في حاجة إلى حمام، لكنه كان في الوقت نفسه عفيف النفس، بينما كنت أتفق معه على طرق جديدة للاتصال، أخرجت من جيبي مائتي دولار أمريكي ودسستها في يده: "هذا مبلغ متواضع لتغطية تكاليف المكالمات الدولية وأي تكاليف أخرى تتطلبها عملية توصيل الشرائط". بعد مناقشة طويلة وافق أبو بكر على مضض، غير أن ما حدث بعد ذلك – كما كان لي أن أعلم- هو أن رئيس اللجنة لتنظيم القاعدة، خالد شيخ محمد، استشاط غضبا فأمسك بتلابيب أبو بكر ودفعه للحائط لأنه "قبل مكافأة عمل كان من المفترض أنه لوجه الله".
غادرت كراتشي في السادس والعشرين من يونيو 2002 كي انطلق بعدها بأسبوعين إلى عدد من الرحلات المكوكية داخل الولايات المتحدة شملت التصوير في ميامي وفينيسيا وهوليود ونيويورك ونيوآرك وواشنطن وبوسطن وبورتلاند وغيرها، بينما كنت هناك اتصل بي أبو بكر كي يعلن لي أخبارا سارة.. الشرائط بين يديه الآن.
كان إحساسا غامرا طار بي من الولايات المتحدة عبر لندن إلى كراتشي في السابع والعشرين من يوليو عام 2002 مباشرة إلى فندق ريجينت بلازا، قليلا ثم دق أبو بكر باب غرفتي.." قبل أي شيء هذه هي أموالك"، ألقى الرجل اللاهث بمبلغ المائتي دولار على الطاولة وقبل أن يتخذ مقعده "شكرا جدا لكنها لم تكن فكرة جيدة".
كانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل عندما عاد أبو بكر مكفهر الوجه مضطربا " لا أعرف يا أخ يسري من أين أبدأ" قالها وهو يتهالك وراء الباب متفاديا النظر إلى عيني، كان من الواضح أنه يحمل أخبارا سيئة، ولكن إلى أي مدي؟
في محاولة للتهدئة من روعه أمسكت بذراعه رفقا وساعدته على الجلوس على مقعده المفضل. "على مهلك يا شيخ. لو كان الأمر يتعلق بالشرائط لا يهمك أي شيء، أم أن هناك أمرا آخر ؟" جلس أبو بكر مطاطأ الرأس مسندا جبهته براحته اليسري، صامتا. بعد قليل مد يده اليمني إلى الجيب الصغير في أعلي جلبابه وأخرج ورقة مطوية ناولها دون أن ينبس ببنت شفة، اختطفتها وفردتها سريعا فاكتشفت لأول وهلة ثقبا بدا متعمدا بعد كلمة "الأخ/... " كانت الورقة متسخة واللغة ركيكة والخط سيئا لكنها كانت رسالة فاصلة.. إنهم يطلبون مليون دولار لمساعدة الأخوة على الاستمرار في الجهاد في سبيل الله...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.