عانى الشعب المصرى خلال عقود طويلة, كثيرا من العسف, والظلم, والاضطهاد على يد حكام طغاة، لم يرعوا فيه إلاً ولا ذمة، فاستباحوا حقوقه وحرماته، وانتهكوا حريته العامة والخاصة، واعتدوا على إنسانيته وآدميته، وخربوا عقله، وأفسدوا ذمته ، وغيبوا ضميره، وزيفوا إرادته، وقتلوا فيه روح الولاء والانتماء، وأفقدوه قدرته على الخلق والابتكار والإبداع..وكان من نتيجة ذلك كله حالة التخلف العلمى, والتقنى, والحضارى, التى نراها, ونلحظها الآن..ولاشك أن الشعب، بسلبيته ولامبالاته، قد شارك وأعان هؤلاء الطغاة على استبدادهم وفسادهم طيلة تلك الفترة..إذ من المعلوم أن الاستبداد لا يقوم ولا يستمر إلا على طرفين متعاونين: المستبد والشعب، فالحاكم لا يمكن أن يستبد إلا إذا وجد فى شعبه من يستسلم له ويعينه على الاستبداد..يقول د. عبد الحميد البكوش: «عندما نقرأ تاريخ الإنسان السياسى نجد أن حكم الفرد نقيض للحرية، وأن كفاح الشعوب من أجل الحرية كان على الدوام كفاحا للحد من سلطة الحكام، فأى اتساع لمجال سلطة الحكم هو بالقطع انتقاص من مساحة حرية الناس وخصم من حسابهم، وعليهم ألا يلوموا أنفسهم على أى انتقاص من حرياتهم». خلال العقود الماضية كان رئيس الدولة يتمتع بصلاحيات وسلطات مطلقة أو شبه مطلقة..ولعلنا نذكر جيدا تلك العبارة الشهيرة «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة»..وهى مقولة صحيحة يؤكدها الواقع والتجربة والتاريخ، قديمه وحديثه على السواء..إذ ما تولى مسئول، على أى مستوى من المستويات، موقعا أو مسئولية ما، إلا وكان هذا المسئول جزءا من منظومة ضخمة من الفساد؛ فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة..إلخ، وهو ما انعكس سلبا على كل مظاهر الحياة من مشكلات وأزمات، داخلية وخارجية...فالصلاحيات المطلقة تعطى للمسئول أو الحاكم الفرد الفرصة الكاملة فى أن يفعل ما يريد، فلا كوابح من دستور أو قانون، وهو ما يجعله يتماهى مع موقعه، فهو الدولة والدولة هو ..ثم هو غير مساءل من الناحية الفعلية أمام أى جهة كانت، الأمر الذى يؤدى إلى استمرار توحش الاستبداد والفساد. فى تصورى لا يصلح لنا هنا فى مصر أى من النظام الرئاسى، أو النظام البرلمانى، ويمثل النظام المختلط الذى يجمع بين كليهما الصيغة الأكثر ملاءمة، حيث يكون هناك فصل وتوازن بين السلطات، فلا تطغى سلطة على أخرى..فى هذه الحالة من الممكن أن تتحدد صلاحيات الرئيس على النحو التالى: 1) رئيس الدولة هو الذى يختار رئيس الحكومة الذى يقوم بتسمية الوزراء. 2) تعرض الحكومة برنامجها على مجلس الشعب، فإن حازت الثقة فبها ونعمت، وإلا فيقوم رئيس الدولة باختيار رئيس حكومة ثان، وإن لم تحز هذه الحكومة الثقة، فلا يجوز لمجلس الشعب أن يعترض على الحكومة الثالثة، شريطة أن يتم ذلك كله فى مدة لا تزيد علي شهرين..وتتولى الحكومة جميع الشئون الداخلية، من أمن وتعليم وصحة وتنمية وإسكان ونقل ومواصلات وإدارة محلية..إلخ..ولا يجوز لرئيس الدولة أن يتدخل فى أى من هذه الشئون.. 3) تعطى الوزارة ستة أشهر، يجوز بعدها للمجلس أن يسحب الثقة منها إذا ثبت عدم قدرتها على القيام بمسئولياتها، وذلك بعد استجوابها.. 4) يختص رئيس الدولة بأمور السياسة الخارجية، على أن يعرض على مجلس الشعب السياسات العامة للدولة تجاه الدول الأخرى لمناقشتها وإقرارها، وكذا جميع الاتفاقيات والمعاهدات التى يبرمها.. 5) يتولى رئيس الدولة مسئولية الدفاع والأمن القومى للبلاد، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذين يعين القائد العام وكذا مدير المخابرات العامة..وتعرض ميزانيات القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة على لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب لإقرارها.. 6) يختص رئيس الدولة بإعلان قرار الحرب، بعد أخذ رأى مجلس الشعب.. 7) فى حال تعرض البلاد لكارثة طبيعية أو خطر داهم يهدد أمن البلاد، يحق لرئيس الدولة أن يعلن حالة الطوارئ لمدة محددة وذلك بعد موافقة مجلس الشعب.