تبدو محاولة فهم خلفيات الأزمة الراهنة بين مصر وأمريكا أمرا ضروريا للغاية رغم صعوبة ذلك. الجيش المصري بلاء!! يرى الأمريكان أن الجيش المصري أصبح بلاءً على مصر، وهو ما لم يُقل عن حسني مبارك صديقهم، الذي ما زالوا يترحمون عليه وعلى أيامه، التي كانت بلاء بالفعل على مصر والعروبة والإسلام. أما السعوديون، فلم يتأخروا بدورهم عن التضامن مع الموقف الأمريكي على لسان تابعهم جهاد الخازن، الذي صرح أن (وجود المجلس العسكري فى الحكم، هو سبب تأخر مساعدات الخليج لمصر حتى الآن). وبينما يقدم السعوديون كل أنواع الدعم المالي والتسليحي لعصابات الجيش السوري الحر، نراهم يشترطون رحيل العسكر في مصر، ليقدموا دعمهم المالي لمصر الحرة وليس لجيشها!!. في حواره مع اليوم السابع صرح «فيليب كراولي»، المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية ما نصه: (نحن نرى الآن الجيش المصرى يخاطر بعلاقته مع المصريين، فى محاولة لحماية مصالحه الخاصة وموقعه، بما يتضمنه ذلك من امتيازات داخل الحكومة المصرية، وعدم وجود رقابة من مؤسسات الدولة عليه، وتحكٌمه فى الاقتصاد المصرى، ومنذ عام مضى كان ينظر للجيش على أنه منقِذ ميدان التحرير، والآن ينظر له على أنه بلاء). لم يبق إلا أن تشارك أمريكا والسعودية في المظاهرات التي تهتف (يسقط حكم العسكر)، الذي أصبح من وجهة نظر هؤلاء (بلاء ينبغي التخلص منه)، الآن الآن وليس غدا!!. لهذه الحيثيات، يبدو التساؤل عن سبب التطابق بين الموقف الأمريكي ورافعي شعار يسقط حكم العسكر مشروعا ومبررا، وهل يتعلق الأمر بوحدة النبع الفكري أم أن الأمر لا يعدو مجرد توارد للخواطر؟! من وجهة نظرنا، فالسبب الذي يدفع المصريين للمطالبة بإنهاء حكم العسكر، يتعلق بإخفاقه في تنفيذ خارطة طريق تحقق أمنيات الشعب والثوار، فضلا عن تورطه أو توريطه في استخدام العنف، مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوف المتظاهرين. في تلك الأثناء، برز الشاطر والأشطر مستفيدين من قدراتهم التنظيمية ومناخ الإحباط السائد، من أجل تحقيق أهدافهم هم وليس أهداف الثورة. الأمريكي الأشطر يرى أن الجيش المصري لا بد أن يتراجع خطوة أو خطوات إضافية، لا في مجال السياسة فقط، بل في مجال التسليح، حيث يبدو أن أمريكا لم تعد تطمئن إلى نواياه تجاه (عزيزتها إسرائيل)، ومن ثم فهي تمارس ضغوطا عليه ولا تنفذ كل ما التزمت به تجاهه، بل وتمنعه من التصرف بحرية في هذا المجال، وهي تحرص على منعه من شراء السلاح من حيث شاء. لذا فهي تضغط على الجيش مباشرة، ومن خلال حلفائها للتواري نهائيا، رغم وعي كثير من المصريين لخطورة هذا الانسحاب المبكر وتداعياته على المشهد السياسي الذي لم تتضح ملامحه ولم يصل بعد إلى مرحلة الاستقرار التي تبرر هكذا مطالبة. وبينما كان حلفاء أمريكا في العراق يطالبونها بالبقاء لمدة إضافية ضمانا لاستقرار العراق، نرى أمريكا وحلفاءها في مصر يطالبون الجيش بالانسحاب الفوري رغم عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية حتى الآن. ومهما قيل من مدح في حق الفائزين بالانتخابات البرلمانية، التي تلقت أول طعنة في مصداقيتها اليوم بإحالة قانون الانتخاب للمحكمة الدستورية العليا، فإن مطالبة أمريكا وحلفائها بوضع الجيش تحت رقابة هؤلاء الفائزين، الذين تلقوا تدريبات وتمويلات أمريكية يعد نوعا من الفجور الأمريكي!!. لا يتعلق السؤال إذن عما إذا كان على الجيش أن يسلم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، أم يواصل الاحتفاظ بها ضد العقل والمنطق، بل وضد مصلحته هو، وإنما يتعلق بالطريقة التي يجري بها هذا التسليم والتسلم. وبينما يعتقد البعض -ونحن منهم- بضرورة تسليم السلطة لرئيس منتخب انتخابا حرا، ونزيها، بعد وضع دستور جديد يضمن عدم تحوله إلى ديكتاتور جديد، رفع البعض ومعهم أمريكا شعار تسليم السلطة الآن الآن وليس غدا إلى (أي كان)، سواء كان هذا برلمان الإخوان أو للبرادعي. ولو سلمنا جدلا بما يقدمه أصحاب هذه الرؤية من مبررات مضادة للعسكر، أهمها وقف العنف والقتل والفوضى، إلا أن أحدا لا يضمن ألا يستمر العنف وتزداد الفوضى، ليصبح الشعار هذه المرة يسقط يسقط حكم الإخوان أو يسقط البرادعي عميل الأمريكان. أما السعوديون، فلهم ثأر تاريخي مع هذا الجيش الذي هو نفسه جيش إبراهيم باشا وتلك حكاية أخرى.