أجمل المعاني الإنسانية، وأرقاها هو الحب، والذي يتجسد بصورة حية في قرية «ميت دمسيس» بالدقهلية، حيث تعانق كنيسة مار جرجس مسجد محمد بن أبي بكر الصديق، ويستضيف المسلمون زوار الكنيسة بمنازلهم لمدة أسبوع سنوياً، فيما يرسل المسيحيون أطفالهم لحضانة «نور الإسلام» لتمتزج روح المحبة بين الجميع في ود أصيل وعلاقة أخوة. كنيسة مار جرجس بميت دمسيس أنشأتها الملكة هيلانة زوجة الملك قسطنطين، ودفن بها الشهيد مار جرجس، يقابلها المسجد الذي دفن به الصحابي الجليل محمد بن أبي بكر الصديق -الذي قتله معاوية- ويحتفل المسلمون والمسيحيون بمولد محمد بن أبي بكر وبمولد مار جرجس الذي يفصل بينهما أسبوع واحد. القمص مكاري غبريال -راعي كنيسة مار جرجس- قال ل «فيتو»: نعيش في القرية أسرة واحدة، نتشارك جميعاً في مناسباتنا الدينية، ففي مولد مار جرجس يتدفق مليونا مسيحي علي القرية، يستقبلهم المسلمون في بيوتهم، لمدة أسبوع، بترحاب شديد وكرم، ونحتفل بمولد محمد بن أبي بكر الصديق، الذي يحين موعده بعد مولد مار جرجس بأسبوع، فأصطحب الرهبان ونهنئ إخواننا المسلمين، والمسجد والكنيسة مؤسسات المحبة بين أهالي «ميت دمسيس». أما الشيخ محمد زياد -وكيل وزارة الأوقاف بالدقهلية- فيقول: إن الإيمان بالله لا يكتمل إلا بالإيمان بالأنبياء ومنهم السيد المسيح، والمسيحيون هم الأقرب إلينا، لقول الحق تبارك وتعالي: «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري» وقد أمرنا الله ببر أهل الكتاب لقوله تعالي:«لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، لذا فنحن نزور الكنيسة في مناسبات الأقباط ومنها مولد مار جرجس. ويؤكد الشيخ فكري عبدالمنعم -إمام مسجد محمد بن أبي بكر الصديق- كلام الشيخ محمد قائلاً: إن مشاركتنا الأقباط في احتفالاتهم أمر طبيعي، وفي قريتنا هذه لا تستطيع أن تفرق بين المسلم والمسيحي، علماً بأن المسيحيين يمثلون 01٪ من سكان القرية. وأضاف: القمص مكاري حريص علي حضور مناسبات المسلمين، في أفراحنا وأتراحنا، وأثناء حضوره العزاء يظل حتي ينتهي المشايخ من قراءة القرآن ويكون آخر المنصرفين، وعندما احترق بيت أحد مسلمي القرية فاجأنا القمص مكاري بدفع أموال من الكنيسة للمشاركة في بناء البيت قبل أي مسلم. وتابع: أسسنا جمعية «الصداقة الخيرية» ويشارك فيها المسلمون والأقباط ويساهمون بالتبرعات المالية وأحياناً التبرع بالدم لمن يجرون عمليات جراحية، كما يسمح الأقباط لنا بتغسيل موتاهم، وقام مشايخ القرية -مؤخراً- بتغسيل وتطييب جثمان جرجس عوض. أثناء الاحتفال بمولد مار جرجس يتوافد آلاف الأقباط، من داخل مصر ومن خارجها، علي القرية، ونرحب بهم ونقوم بتشكيل لجان شعبية من المسلمين والأقباط لحماية الوافدين للمولد، وقد حدث أن طلبت زوجة قبطي لتشهد في إحدي المشكلات التي وقعت بالقرية، فقالوا لها: احلفي علي الانجيل، فقالت: بل أحلف علي المصحف، وهذا يؤكد الاندماج الروحي والثقافي والفكري بين أبناء القرية. ويقول خادم الكنيسة ويدعي «ظريف»: أحب أصدقائي وأقربهم إلي قلبي مسلمون، وعندما سألني أحدهم عن أحد شيوخ القرية فقد ذهبت معه للمسجد وسألنا عن الشيخ، فعلمنا أنه مريض، فذهبت ومعي مجموعة كبيرة من الأقباط لزيارته في بيته، كما أن ابنتي الصغيرة تتعلم في حضانة «نور الإسلام» التي أنشأها الإخوان المسلمون، وبها يتعلم جميع أطفال القرية القرآن الكريم، وهذا يحدث التقارب بين أطفالنا جميعاً، ولا يجب فصل الأطفال المسلمين عن نظرائهم المسيحيين، لأن الفصل بينهم يؤدي لظهور الخلافات في الفكر والسلوك، ونحن شعب واحد نعيش معاً في حب وسلام، ويحترم كل منا عقيدة الآخر.