هل حقا بدأت الثورة المصرية تأكل أبناءها؟! لم يكن أكثر المتشائمين بالثورة المصرية يتخيل أو يتوقع ما يحدث الآن من عمليات اعتقالات واسعة وتلفيق التهم والتعذيب الممنهج لشباب الثورة الثائرين ضد النظام الجديد، الذى يرى الكثيرون أنه لا يختلف عن سلفه بل أسوأ خاصة بعد ثورة قامت من أجل الحرية والكرامة الإنسانية وإعلاء قيمة الإنسان فى بلد عانى شعبها من القمع والتعذيب على مدار عقود كثيرة فائتة. تطالعنا يوميا القنوات الفضائية والصحف المستقلة على ضحايا جديدة وقصص مريبة من ضحايا التعذيب فى سجون وزارة الداخلية وتعامل الأمن الغاشم مع المتظاهرين، الذين يتم اعتقالهم من الشوارع والميادين التى تشهد مظاهرات ينظمها شباب الثورة المناهضين للنظام المطالبين بتعديل مسار الثورة التى انحرفت عن مسارها الطبيعى، وتعد حملات الاعتقال هذه هى الأوسع والأكبر منذ 12 عاما، حيث تم اعتقال أكثر من 1000 شخص والتى فاقت حملات الاعتقال التى شهدتها مدينة المحلة عام 2008 والتى حدد عدد المعتقلين فيها حوالى 475 شخصا. تبدأ رحلة الاعتقال باختطاف الشاب وترحيله إلى أحد أقسام الشرطة ويتم تلفيق تهم باطلة مثل تكدير الأمن العام، وحيازة مولوتوف ورمى حجارة على المنشآت العامة والمشاركة فى قلب نظام الحكم وغيرها من التهم الواهية، ثم ينتقل المعتقلون إلى أحد معسكرات الأمن المركزى، وتبدأ حفلة التعذيب كما روى كثير من الشباب المعتقلين والذى تم الإفراج عنهم لعدم ثبوت التهم، حتى وصل الأمر لكثير من قطاعات المجتمع بأننا أمام سجن أبوغريب جديد ولكن هذه المرة النسخة الإخوانية فى مصر، فمن السب والضرب ب "الهراوات"، إلى خلع الملابس وتعذيب بالأماكن الحساسة فى الجسم. ولعل المثال الأكثر وحشية وإيلاما ما حدث مع عضو التيار الشعبى الشاب محمد الجندى – رحمه الله – الذى تم اعتقاله وتعذيبه فى معسكرات الأمن المركزى إلى أن وافته المنية، ولم يكن الجندى المثال الوحيد لضحايا التعذيب فى سجون الداخلية فى حكم الإخوان، ففى برنامج للإعلامى المتميز حافظ الميرازى على قناة دريم الثانية، استضاف عددا من الشباب وأهالى آخرين تعرضوا للاعتقال والتعذيب على أيدى رجال الشرطة فى معسكرات التعذيب وعرض كل شاب منهم كيفية القبض عليه والتعامل فى أقسام الشرطة والتعذيب الذين تعرضوا له وغيرهم الكثيرين من الشباب، ولا يقف الأمر عند ذلك بل وصل حد اعتقال الأطفال الصغار وتعذيبهم فى أقسام الشرطة والمعسكرات، فلا رحمة بطفل مريض ولا شفقة بشباب لم يكن همهم يوما سوى بلد ينعمون فيها بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أى نظام فاشى هذا؟!! ثم نأتى لموقف الرئاسة الصامت تجاه تلك الجرائم المرتكبة ضد شباب الثورة، وكأنها عقاب لهم على قيامهم بثورة ولكن هناك رئيس ظنناه رئيسا لكل المصريين وليس لجماعته وأهله وعشيرته فقط، يعمل بمبدأ "لا أرى لا أسمع أشيد وأؤيد الداخلية"، فبعد التعامل الوحشى من الشرطة مع المتظاهرين أمام قصر الاتحادية واعتقال وقتل عدد من الشباب فى التظاهرات خرج علينا الرئيس منددا بالتظاهرات ومؤيدا للداخلية وكأنه يفتح لهم الباب على مصراعيه للنيل من المتظاهرين. إن ما يحدث من اعتقال وتعذيب وقتل للشباب المصرى الذى ضحى بدمه من أجل حرية هذا البلد والعمل على رفعته لهو بحق جريمة لا تغتفر مهما طال الزمن، ويجعلنا أمام نظام فاشى لا يحترم الآدمية ولا يحترم حقوق الإنسان، فأين دولة القانون وأين الدستور الذى قيل عنه أعظم دستور فى تاريخ مصر فى الحقوق والواجبات وخاصة حقوق الإنسان، وأين تطبيق القانون فى أن يعرف المقبوض عليه الاتهامات الموجهة له وأحقيته فى أن يبلغ أهله بمكانه قبل مرور 12 ساعة من القبض عليه؟! ثار الشعب على مبارك وطغيان أجهزته الأمنية القمعية بعد أن فاض به الكيل، ولن يقبل الشعب بإهانته مرة أخرى، فاتقوا غضبة هذا الشعب الذى عرف طريق الحرية ولم ولن يرجع أو يركع أو يتراجع عن حريته. فالشعب لن يرحم والتاريخ أيضا.