أبدعت الطبيعة فى رسم ملامح وجهها البشرى، ومنحها الإله الأوحد سمة "الجمال"، الذى يُبهر كل من رآه، بل ويُدهش كل من تأمله. تلك الفتاة المصرية الجنسية والعربية الأصل، التى حيرت الكثيرين فى فك لغز جمالها الخلاب، الذى طالما دخل فى تنافس مع سحر الزهور، وصوتها الذى ليس مبالغةً القول بأنه هو من يمنح العصافير شهادة موثوقة المصدر بأن تغريدها جيد!! هى "نور" فتاة ريفية النشأة، عاشت طفولتها بالريف المصرى، حملت سمات ريفية نادرة التواجد على ساحات المدن، فالطيبة هى عنوان قلبها النابض، والهدوء يسكن لسان حالها حتى يُخرِج لمن حولها أعذب سيمفونيات الغناء. وأما عن العقل وقدراته، شُهِدَ لنور بأنها تمتلك قدرات عقلية عالية، تُمكِنها من حل مشاكل المحيطين بها بحكمة ومنطق ملائكى قلما نعايشه على أرض واقعنا البشرى. فنور هى الإبنة الوحيدة لوالدها ووالدتها البسطاء، الذين حَمِلوا على عاتقهم تربية نور وتنشئتها تنشئة جادة وإنسانية الطابع. لم تخذلهم نور، فهى بالفعل الفتاة المثالية بقريتها، وهى الأكثر تفوقًا فى دراستها خلال مراحلها التعليمية إلا أن القدر لم يشأ أن تُكتَب كلمة النهاية السعيدة فى أحداث تلك القصة. فالأب والأم رغم ما كان يملاؤهما من سعادة وفرح حين رؤية نور أو سماع أحاديث أهالى قريتهم عن جمالها، وأخلاقها، وروحها المتواضعة النقية إلا أن الحزن والهموم كان لهما المكان الأعظم داخل قلبِهما. ففى أحد الأيام، بلغت نور من العمر خمسة عشرة عامًا، وزاد بريقها، واحتلت ملامح الجسد الأنثوى كيانها المادى، دون أن تمتلك نور شهادة الأنوثة الحقيقية كغيرها من الإناث فى مثل عمرها! وبدأت الأم الريفية تتساءل بقلق وخوف عن سبب تأخر حدوث ذلك، شأنها شأن بقية الإناث على وجه الكره الأرضية. وهنا وتحديدًا فى تلك اللحظة قررت الأم والأب اصطحاب إبنتهما الوحيدة، وأملهما فى غدهم القادم إلى طبيب الوحدة الصحية، للتعرف على سر هذا الأمر الغريب من نوعه. ذهبت نور دون خوف، ربما لكونها لاتعلم أهمية أن يحدث ذلك الأمر الفطرى لأى أنثى طبيعية التركيب. دخلت أسرتها الصغيرة إلى الوحدة الصحية التابعة لقريتهم، وبعد أن قام الطبيب بفحص نور، رُسِمت على ملامحه حزن ودهشة يخيم عليهما عدم القدرة على النطق بأى حرف!! وهنا زادت التساؤلات بعين الأم الريفية، وزادت دقات قلبها، ولم تقتصر التساؤلات على الظهور جلية ً بعيون الأب، لكنها خرجت على شكل أصوات متعالية تكاد تقترب من الصرخات فى وجه الطبيب، راغبة ً فى التعرف على سبب صدمة الطبيب وحزنه الغامض! كل هذه الأجواء المتوترة، ولم يسيطر على ملامح نور سوى هالة من البراءة والنظر الهادئ لأسرتها وللطبيب دون أن تعرف ماذا يجرى، وما الذى يُخبِئه لها القدر؟ وفجأة .. طلب الطبيب من الوالدين أن يتحدث إليهما على إنفراد دون تواجد نور الصغيرة، استجاب الأب والأم فورًا، وذهبا برفقة الطبيب إلى غرفة بعيدة عن غرفة الفحص الطبى. وهنا أخرج الطبيب من فمه عبارات لم تنساها آذان أسرة نور مدى حياتها، ولعل العبارة الأعلى دويًا والأشد مأساة، والتى هبطت على والدى نور هبوط الصواعق التى لا تعرف رحمة ولا شفقة هى أن ابنتهما ذات الجمال الإلهى غير المتكرر، والأخلاق الملائكية غير المعهودة تمتلك عيبًا خِلقيًا فى جهازها التناسلى، فهى تلك الأنثى الجميلة التى لايتواجد لديها رحم !! مرت تلك اللحظة المأساوية وماتلتها من لحظات عصيبة بحياة نور وأسرتها دون أن تُرسَم الإبتسامة على وجه الأبوين مرة أخرى كما كان يحدث معهما لاحقًا. إلا أنه رغم ما كان يسكنهم من آلام، وهموم مُميتة فهم لم يتحدثوا الى ابنتهم عن هذا الأمر الخير ولم تَقدِر شفاههم على التحرك بالنطق وتفسير حيرة نور الظاهرة بعيونها دومًا كلما تحدثت إليها زميلاتها أو إحدى جاراتها عن ذلك الحدث الطبيعى. ظلت نور حائرة، قَلِقَة، لاتعرف مالذى يدور حولها هل هى أنثى طبيعية كحال قريناتها أم أنها خارج خريطة الأنوثة بأمر القدر؟! وهاهى الأيام تَمُر وتأخُذ بيد السنين، فتَمُر السنين إلى أن وصل عُمر نور إلى العشرين عامًا، وفى تلك اللحظة الزمنية يدخل فتيان القرية فى سباق من أجل زيارة والد نور وطلب يدها الكريمة لنيل شرف الارتباط بها. إلا أن والد نور كان يرفض دومًا دون أن يُبدى سببًا منطقيًا ومفهومًا لهؤلاء الفتيان. ومرت الشهور والسنوات وتزايد عُمر نور، وتزايد معه عدد من يُريدون الزواج منها. فنور ذات وجه جميل، وأخلاقها كريمة الطباع، وأسرتها أصيلة النشأة، فكيف لايتواجد بتلك القرية من لايرغب فى الزواج منها والعيش معها؟! إلا أن الأمر لم يكن فى يد أحد، فهو أمر قدرى فى المقام الأول، فنور لايمكنها الزواج والإنجاب! ويومًا ما أصبح عُمر نور ثمانى وعشرين عامًا ومازال الفتيان يتسابقون للارتباط بعروس قريتهم. ذات يوم حصلت نور على وظيفة بالوحدة الصحية بقريتها وأصبحت تذهب وتجئ من موطن عملها بالوحدة إلى بيتها وهنا كان يتابع خطواتها طبيب قاهرى المنشأ، جاء للإشراف على الوحدة والانتداب للعمل بها بعض الأيام لخبرته الواسعة. لم يستطع الشاب الوسيم مقاومة سِحر جمال نور وبراءتها، فأخذ يتابعها حينًا من الوقت إلى أن تأكد من سمعتها وأصلها الطيب وقام بمقابلتها بالوحدة الصحية، وصرح لها بمشاعره ولأنه شاب لا ترفضه أى فتاة، ولأنه أحبها بصدق، استشعرت نور صِدق حبه، وبادلته تلك المشاعر، لكن خجل أنوثتها وعيونها جعلها تذهب مسرعة ً إلى والديها لتخبرهما بالخبر المُفرِح. وحينها صارح الأبوان نور بالحقيقة المفجعة، والتى طرحتها أرضًا دون وعى أيام وأيام إلى أن شُفِيَت جسديًا لكن لا يزال الألم النفسى قاطنًا نفس نور المسكينة. وفى ذلك الحين ذهب الطبيب لطلب يد حبيبته التى رأى فى عيونها الحياة القادمة، إلا أنه فوجئ برفض من والدها، فخرج الطبيب من منزل نور وعلامات الدهشة والغضب تحتلان وجهه. مشى الطبيب الشاب فى شوارع القرية متألمًا، يسير على غير هُدى، مُصِرًا رغم كل شىء على مقابلة نور ليتفهم منها سبب ماحدث. وهاهو يحدث ما أراده الطبيب .. قابل الطبيب نور وخَرَّ راكعًا أمامها طالبًا منها تفسير رفض والدها رغم قراءته الموافقة فى عيونها أول مرة! لم تملك نور فى البداية سوى البكاء، فتساقطت دموعها فى ألم ويأس دون مبرر منطقى أمام الطبيب المُتَيَم بحُبها. تلك الدموع التى زادته إصرارًا على طلبه. وهنا أجابته نور بنقائها غير المُصطنع أنها لاتستطيع الزواج به لأنها وُلِدَت بعيب خِلقى يجعلها عاجزة على أن تكون زوجة وأم. وحينها لم تتوقف براءة نور على أن تُصوِر لها إمكانية وقوف هذا الشاب إلى جانبها وأن تحدث المعجزة ويُصِرَ على زواجه بها بعد معرفة الحقيقة! إلا أنه بمثابة أن سمع الطبيب تلك الكلمات الصادمة، ارتبك بعض الشىء ثم دخل مسرعًا فى دائرة الانسحاب دون قول شىء يُذكر للفتاة، التى نسى الوسيم حُبها فى لحظة!! تعالت أصوات أهالى القرية عن نور وقصتها، ولم يعد أمام الأهالى سوى الحديث ليل نهار عن سبب رفض الفتاة الزواج. ومن يومها وظلت نور حبيسة خوفها وألمها. عاجزة عن مواجهة مجتمعها نتيجة لجريمة لم ترتكبها من الأساس وهاهى نور تصبح فى نظر مجتمعها الشرقى خارج خريطة الأنوثة، فهى فى عيونهم وأمام مرآتهم البشرية "أنثى بغير أنوثة".