[email protected] يبدو أن النخبة الليبرالية فى مصر أصيبت فجأة بمرض السذاجة السياسية! ويكشف عن أعراض هذا المرض الاجتماع الشهير الذى عقد فى فندق «فيرمونت» بين عدد من رموز الليبرالية المصريين والدكتور «محمد مرسى»، قبل إعلان فوزه برئاسة الجمهورية. فقد فوجئ الرأى العام السياسى بأن هؤلاء الليبراليين مع قلة عددهم وعدم تمثيلهم لأى حزب سياسى له شأن اندفعوا للارتماء فى أحضان الدكتور «مرسى» مرشح حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسى للإخوان المسلمين، هروباً من الجحيم الذى مثله لهم ترشيح الفريق «أحمد شفيق» لمنصب رئيس الجمهورية. اجتمع هؤلاء مع الدكتور «مرسى» وظهرت لهم صورة معه وهو يتوسطهم، وصرح المتحدث الإعلامى باسم المجموعة قائلاً إنهم يؤيدون الدكتور «مرسى» بعد أن أخذوا عليه المواثيق والعهود ووضعوا له شروطاً بشأن تشكيل مؤسسة الرئاسة. وأهم الشروط التى وضعوها ضرورة أن يعين الدكتور «مرسى» فى حالة نجاحه ثلاثة نواب رئيس، أحدهما شاب والثانى قبطى والثالث سيدة! والغريب أن هؤلاء الليبراليين المحترمون لم يدركوا بهذا الاقتراح الساذج أنهم فى الواقع يعتدون اعتداءً جسيماً على مبدأ المواطنة! لأن المواطنة مبنية فى الواقع على مبدأ دستورى مصرى قديم تمت صياغته منذ دستور عام 1923 وهو الذى يقول «المصريون سواء أمام القانون». وعلى ذلك فاقتراح اختيار شخص ما نائباً للرئيس لأنه قبطى فيه اعتداء على مبدأ المواطنة من ناحية، وفيه إشارة إلى بداية تطبيق مبدأ المحاصصة فى تولية المناصب العامة بين المسلمين والأقباط، وفى ذلك زرع بذور الطائفية المرفوضة. كما أنه من أعجب العجب أن يتحدث هؤلاء عن شاب ليكون نائباً للرئيس، مع أن تولية المناصب العامة لا ينبغى أن يكون عنصر السن له اعتبار، لأن عنصر الكفاءة والخبرة هو المقياس. كما أن التفرقة بين الرجال والنساء مرفوضة، إذا ما طبق مبدأ الكفاءة والخبرة بكل موضوعية. واشترطت المجموعة الليبرالية على الدكتور «مرسى» خمسة شروط أخرى تتعلق بتشكيل هيئة استشارية للرئيس تمثل فيها جميع الأطياف السياسية! وهذا الاقتراح البالغ الساذجة فيه مخالفة واضحة للممارسات الديمقراطية المستقرة فى بلاد مثل فرنسا وأمريكا. لم يقل أحد فى فرنسا للرئيس «هولاند الاشتراكى بعد أن فاز، «عليك أن تكون هيئة استشارية فيها عدد من أنصار الرئيس «ساركوزى» اليمينى الذى فشل فى الانتخابات، أو عدد من ممثلى الوسط أو غيرهم. لأن المنطق يقول إن الرئيس يشكل هيئاته الاستشارية من حزبه الذى نجح فى ضوء دعمه وعلى أساس برنامجه. وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، لم يكن متصوراً أن «أوباما» الديمقراطى يشكل هيئة استشارية يمثل فيها الحزب الجمهورى المنافس! ولكن ماذا نفعل فى الإبداع السياسى المصرى الساذج لهؤلاء الليبراليين حسنى النية! ثم عندما تراخى الدكتور «مرسى» فى تكوين الهيئات الاستشارية أصيبت المجموعة بالإحباط وأعلنوا أنهم يائسون من تنفيذ الرئيس لوعوده. ولكن الرئيس فاجأهم بتعيين نائب واحد لرئيس الجمهورية وأربعة مساعدين، منهم مساعد قبطى وسيدة، ثم هيئة استشارية مكونة من سبعة عشر عضواً زاخرة بالنكرات السياسية التى لا يعرف عنها الرأى العام أى شيء بالإضافة لبعض الأسماء المعروفة. غير أن ظاهرة «الهبل الاستشارى» سرعان ما ظهرت فى تصريحات بعض هؤلاء حين صرح أحدهم أن لديه برنامجاً لتنمية الصعيد وكأنه رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وليس مجرد عضو من سبعة عشر عضواً لن يجتمع بهم الرئيس إلا مرة أو مرتين! أما «الهبل الاستشارى» الحقيقى فقد ظهر فى تصريح أحدهم حين قال «إن الرئيس لو لم يأخذ برأيهم فإنه سيستقيل! وهذا هو فى الواقع قمة «الهبل» لأن الرئيس لو أخذ برأى هؤلاء حتى لو كان خطأ أو مفارقاً للواقع، أو صدر بدون دراسة كافية فإنه فى الواقع لا يستحق صفة الرئيس!