تقدم شريف جاد الله، المحامى السكندري، بطعن أمام مجلس الدولة حمل رقم 84964 لسنة 68 ق، على قرار إحالة موكله، أحد اللواءات، إلى المعاش قبل سن الستين ودافعًا بعدم دستورية المادة 19 من قانون هيئة الشرطة التي تسمح بإحالة الضباط للتقاعد قبل سن الستين. وكانت المفاجأة المدوية هى الطعن بعدم دستورية قانون هيئة الشرطة 109 لسنة 1971 بأكمله بما يترتب عليه من بطلان قرارات المجلس الأعلى للشرطة. وأوضح جاد الله في دعواه، أن حجر الزاوية عند النظر إلى الوضع القانوني لضباط الشرطة في النظام القانوني المصري يتمثل في أمرين، إن الضابط هو موظف عام؛ ومن ثم يعتبر من العاملين المدنيين بالدولة، وإن الشرطة هيئة مدنية وليست عسكرية؛ وذلك طبقًا لنص المادة 206 من الدستور المصري الحالي، والمادة الأولى من قانون هيئة الشرطة. ومن ثم فضابط الشرطة لا يعدو أن يكون موظفًا عامًا تم تنظيم حياته الوظيفية بقانون خاص هو القانون 109 لسنة 1971 مع بقاء قانون العاملين المدنيين بالدولة هو الشريعة العامة، فيما لم يرد به نص بقانون الشرطة ولو نظرنا إلى الوضع داخل هرم قطاع الشرطة لوجدنا في قاعدة الهرم أن من يخضعون لقانون الشرطة من غير الضباط كأمناء الشرطة ومن دونهم يظلون في الوظيفة الشرطية حتى بلوغ سن الستين شأنهم شأن العاملين المدنيين بالدولة ولوجدنا على قمة ذلك الهرم أن من يعين في وظيفة مساعد الوزير فما فوقها يظل أيضًا في الوظيفة الشرطية حتى بلوغ سن الستين شأنهم شأن العاملين المدنيين بالدولة، أما من هم في منتصف ذلك الهرم فهم رهن لمحض المزاج الشخصي لمتخذ القرار.. حيث بدءًا من قضاء الضابط لعامين في رتبة عقيد أو سنة في رتبة عميد أو سنة في رتبة لواء، يكون عرضة لأن يُلقى به خارج جهاز الشرطة لغير سبب معلوم ودون حتى التزام بالتسبيب؛ فيجد نفسه في حالة يرثى لها، فهو لم يزل في سن فَتى وأقرانه في الجهاز الإداري للدولة لا يزالون في أماكنهم حتى بلوغ الستين، أما الضابط فيجد نفسه قد تلقى حفنة من الجنيهات أيًا كان قدرها حتى لو قدرت بالآلاف، ثم أُبعد جانبًا بعد إنزاله من قطار الشرطة، ليكمل القطار سيره بالمحظوظين الذين ثم المد لهم في الرتب التي يشغلونها. وعندما اعتبرنا الضابط في المركز القانوني للموظف العام باعتباره من العاملين المدنيين بالدولة، فقد ألقينا عليه أعباء ذلك المركز القانوني، فإذا أخذ مالًا من جهة عمله لا يُعتبر سارقًا – والسرقة جنحة - بل يُعتبر مختلسًا والاختلاس جناية؛ لأنه موظف عام وإذا أراد أن يُحسِّن دخله، فلا يجوز لأنه موظف عام، ناهينا عن حركة التنقلات السنوية والتي تجعل الضابط يطوف البلاد من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها، وعليه أن يقبل كل ذلك لأنه موظف عام؛ إذن فقد ألقينا على الضابط كل أعباء الوظيفة العامة ولكن عندما جئنا إلى المزايا قلنا له إنك من المحرومين، فكل الموظفين العموميين سيظلون في وظائفهم حتى الستين إلا أنت، فسيكون بقاؤك في الوظيفة رهنًا بمزاج رؤسائك إن شاءوا منحوك وإن شاءوا منعوك. وأضاف جاد الله في شرح دفعه بعدم دستورية قانون هيئة الشرطة بأكمله، أن: القرار بقانون الخاص بهيئة الشرطة 109 لسنة 1971 أصدره الرئيس السادات في 11 نوفمبر 1971، وذلك في ظل دستور 1971 والذي وافق عليه الشعب في 1 سبتمبر 1971، وبالتالى كان يجب على الرئيس السادات مراعاة أحكام الدستور الجديد والتي لا تجيز طبقًا للمادة 147 لرئيس الجمهورية إصدار قرارات تكون لها قوة القانون إلا للضرورة، وفى حالة غيبة مجلس الشعب أو حله على أن تعرض هذه القرارات بقوانين على مجلس الشعب في أول جلسة ليقرها فإن لم تعرض أو عرضت ولم يقرها المجلس زال ما كان لها من قوة القانون والناظر إلى القرار بقانون 109 لسنة 1971 الخاص بهيئة الشرطة سنجده مشوبًا بعوار دستوري من أكثر من وجه: لم تكن ثمة ضرورة ملحة لإصدار قانون ينظم هيئة الشرطة بأكملها؛ حيث كان هناك بالفعل القانون 61 لسنة 1964 المنظم لهيئة الشرطة، ومن ثم لم يكن هناك فراغ تشريعي ألجأت الضرورة رئيس الجمهورية لسده بإصدار قرار بقانون، إن القرار بقانون صدر في 10 نوفمبر 1971 في حين أن المجلس التشريعي ينعقد في الخميس الثاني من نوفمبر بقوة القانون؛ ومن ثم لم يكن هناك وجه لاستعجال رئيس الجمهورية بإصدار قرار بقانون ينظم هيئة الشرطة. إن الجريدة الرسمية جاءت خالية من أية موافقة لمجلس الشعب على القرار بقانون 109 لسنة 1971، الذي أصدره رئيس الجمهورية بشأن هيئة الشرطة، حيث إنه لزام أن تنشر هذه الموافقة بالجريدة الرسمية، إذ كيف سيقف الشعب على تأكد الصفة القانونية للقرار بقانون بموافقة مجلس الشعب عليه، إذا لم تنشر هذه الموافقة في الجريدة الرسمية شأنها شأن القرار بقانون، لأنها متممة له، والقاعدة الأصولية تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". واختتم جاد الله دعواه مطالبًا بعودة موكله إلى خدمة الشرطة وإلغاء قرار إحالته للمعاش.