كشف مستشار اكاديمية ناصر العسكرية اللواء طلعت موسى في حواره مع «فيتو» عن أبرز التهديدات والتحديات التي تواجه أمن مصر القومى كما أكد أن توجه مصر للتعاون العسكري مع روسيا أمر اقلق الولاياتالمتحدةالأمريكية وجعلها تتراجع عن تعليق المعونة التي تمنحها لمصر سنويا، بإلى تفاصيل الحوار ماذا يعنى الأمن القومى للدولة؟ يعنى الحفاظ على بقاء واستمرار الدولة وتأمين أراضيها ضد التهديدات الداخلية والخارجية والمحافظة على الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي وحماية ما يسود المجتمع من مبادئ وقيم وعقائد وقوانين وأعراف بشكل يحقق القدر الملائم من المطالب الإنسانية للشعب مع تحقيق درجة عالية من حرية الإرادة في اتخاذ القرار، وبذلك يعتبر الأمن القومى وسيلة الحفاظ على الأمة، ورسالته بناء وتطوير القدرات الذاتية الوطنية. وما هي أبعاده؟ للأمن القومى أبعاد متعددة كل منها له خصائصه التي تؤكد ترابطها وتكاملها، فهناك بعد سياسي يتعلق بقوة تماسك الجبهة الداخلية، والذي يتحقق باستقرار النظام السياسي وتمتعه بتأييد والتفاف الجماهير حوله، ومشاركة المواطنين في عملية صنع القرارات التي تمس مصالحهم الحيوية، وهناك بعد اقتصادى يتعلق باستخدام موارد الدولة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية باعتبار أن النمو الاقتصادى والتقدم التكنولوجى هما الوسيلتان الرئيسيتان لتحقيق المصالح الأمنية للدولة، وهناك أيضا بعد اجتماعى يتصل بمدى تماسك المجتمع الذي يتحقق من خلال إقامة عدالة اجتماعية وتطوير الخدمات وتقليص معدلات الفقر والالتزام بصيانة حقوق الإنسان، كما يوجد بعد تنموى بمعنى التنمية الشاملة المستدامة التي تحقق التقدم المتوازى في كافة المجالات، فضلا عن البعد العسكري والذي يتعلق ببناء قوة عسكرية قادرة على تحقيق التوازن الإستراتيجى العسكري والردع الدفاعى لحمايتها من العدوان الخارجى، مع ضرورة الاحتفاظ بهذه القوة في حالة استعداد قتالى دائم، وأخيرا البعد الأيديولوجى ويعنى منظومة القيم والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إذن ما مظاهر التهديد للأمن القومى للدولة؟ منها ما هو داخلى وآخر خارجي، فمظاهر الأولى تتمثل في الاضطرابات الداخلية والصراع على السلطة وما يترتب عليه من فقدان الدولة لاستقرارها السياسي والقدرة على التحرك السليم لمواجهة المشاكل والأخطار القريبة منه، وأيضا أعمال التخريب ونشر الفوضى والصراع بين القوى المختلفة عرقية وطائفية ومذهبية وسياسية وحزبية، أما على المستوى الخارجى تتضح مظاهر التهديدات في تراجع أو فقدان قدرة الدولة وتقييد حرية حركتها في اتخاذ القرار والعزلة وفقدان الدور المؤثر إقليميا ودوليا، وعدم قدرتها على التأثير الفعال على مناطق أمنها الحيوى. وهل تمثل مهددات الأمن القومى مخاطر مباشرة على الدولة؟ مهددات الأمن القومى تصبح أكثر خطورة وتزداد نسب توقع حدوثها، ومن ثم أصبح من الضرورى أن تكثف مصر وأى دولة أخرى جهودها لكشف البؤر التي تنبع منها هذه المهددات، وبالفعل هناك تهديدات من كافة حدودنا مع السودان وليبيا وفلسطين وإسرائيل. كيف ترى التحديات التي تواجه مصر من دول الجوار لا سيما ليبيا؟ في ظل انتشار حالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده ليبيا في الوقت الراهن وجدت الميليشيات المسلحة مناخا خصبا للعمل، وساعدها في ذلك الإفلات من العقاب بشكل كبير لأن ليبيا تفتقر إلى القدرات العسكرية والأمنية الفعالة واللازمة لكبح جماح هذه الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام السلطات الليبية، فالتحديات الداخلية التي تواجه ليبيا حاليا تزداد بدرجة كبيرة في ظل تدهور السلطة المركزية في طرابلس، وبالتالى عدم قدرة ليبيا على تأمين حدودها مع دول الجوار وهو ما يشكل مخاطر كبيرة على الأمن القومى المصرى وبشكل مباشر، حيث أصبحت ليبيا المصدر الرئيسى لإمداد الجماعات الإرهابية بكافة أنواع الأسلحة، والتي تستخدم الحدود المصرية في تهريب السلاح والذخائر من ليبيا إلى مصر عبر منفذ السلوم الحدودى نتيجة اتساع المساحة الحدودية بين البلدين وصعوبة السيطرة عليها، كما أن معظم الأسلحة التي تصل إلى الجماعات الإرهابية في سيناء تأتى من ليبيا، وهو الأمر الذي سيزيد من حدة التهديدات الليبية للأمن القومى المصرى. وهل هناك اختلاف بين التنظيمات التي قامت بالعمليات الإرهابية في التسعينيات والتي تقوم بها الآن؟ في التسعينيات كانت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد هي من تنفذ العمليات الإرهابية، أما الآن فهناك نحو 12 تنظيمًا مسلحًا في مقدمتهم جماعة أنصار بيت المقدس والتوحيد والجهاد وأنصار الشريعة وجيش الإسلام، وكلهم يعملون تحت اسم «أنصار بيت المقدس»، وكل هذه الجماعات الإرهابية تعمل بأيديولوجية تنظيم القاعدة الذي يقوده الآن أيمن الظواهرى. حدثنا عن أنواع الأسلحة التي استخدمت في التسعينيات والتي تستخدم الآن.. ومن أين حصلت هذه الجماعات عليها؟ في التسعينيات كانت تستخدم الأسلحة الآلية والقنابل وبنادق القناصة، والآن تستخدم ذات الأسلحة وأضيف عليها الأحزمة الناسفة ومدافع آر بى جى والهاون والصواريخ الأرض جو التي تستهدف الطائرات، أما عن مصادر تمويل السلاح في التسعينيات فكانت هذه الجماعات تسطو على البنوك ومحال المصوغات لتشترى أسلحتها، أما الآن فتحصل التنظيمات الإرهابية على أسلحتها من خلال تهريبها من ليبيا عبر الحدود الغربية وتمويلها يأتى من دولة قطر، ويتم تدريب هذه التنظيمات في شرق ليبيا ثم يعاد تصديرها إلى مصر والدول العربية، وعقب ثورة 25 يناير وخلال تولى الإخوان سدة الحكم كان يتم تدريب هذه الجماعات في سيناء. إذن ما الهدف من العمليات الإرهابية التي تحدث الآن؟ الهدف هو إثارة الفوضى في مصر وفى الدول العربية لخلق مناطق داخل هذه الدول خارجة عن سيطرة الدولة، ومن ثم يسهل تقسيمها. ولكن من الذي يسعى لتقسيم هذه الدول العربية وخصوصا مصر؟ الأمريكان بالطبع، ففى سنة 1983 أعد السيناتور برنارد لويس مشروعا للكونجرس الأمريكى لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، وعرضه في جلسة سرية بالكونجرس قبل الموافقة عليه، حتى أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس أكدت هذا المشروع عندما خرجت في أحد المؤتمرات الصحفية، وأعلنت أن هناك مشروع شرق أوسط جديد، وهذا يعنى تغيير الأنظمة وتقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وجماعة الإخوان كانت شريكا متضامنا مع أمريكا في تقسيم مصر إلا أن ثورة 30 يونيو حالت دون ذلك، حيث أقدمت على بيع حلايب وشلاتين للسودان، واقتطاع جزء من سيناء وضمه لفلسطين باتفاق مع الأمريكان. وماذا عن دور أجهزة الاستخبارات الأجنبية فيما يحدث في مصر؟ جميع أجهزة المخابرات الغربية ومخابرات إيرانوقطر وتركيا تجسست على المصريين عقب ثورة 25 يناير، وانسحاب الشرطة أحدث فراغا أمنيا في البلاد مما جعلها بيئة خصبة ومرتعا لجميع أجهزة المخابرات، حيث تواجدت عناصرها بين المصريين لجمع معلومات وتحليلها وإعداد تقارير لرؤسائهم وتجسسوا على المصريين وعلى القوى الثورية، فألمانيا وأمريكاوقطر وتركيا وإيران وفرنسا ودول كثيرة لها مصلحة في إضعاف وضع مصر بالمنطقة. الرئيس عبد الفتاح السيسي زار روسيا مرتين الأولى عندما كان وزيرا للدفاع والأخيرة قبل أيام.. كيف تقرأ الزيارتين؟ أولا بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية كانت علاقتنا بها جيدة خلال الأربعين عاما الماضية، وبالتالى كان هناك تعاون عسكري بين البلدين، وأمريكا كانت تدعم مصر بالسلاح والطائرات فيما يعرف بالمعونة العسكرية، ولكن بعد ثورة 25 يناير بدأت أمريكا تضغط على مصر حتى تنصاع لسياستها، وبعد ثورة 30 يونيو مارست ضغطا شديدا على مصر لعودة الإخوان مرة أخرى لسدة الحكم، وعندما رفض الشعب المصرى علقت جزءا من المعونة العسكرية، وذلك لرغبتها في دفع عناصر الإسلام السياسي وفى مقدمتهم الإخوان لتولى سدة الحكم في مصر والدول العربية بهدف تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، لذلك اتجهت مصر إلى روسيا رغبة في التعاون معها بهدف خلق توازن والحصول على أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات. برأيك.. لماذا وافق الكونجرس الأمريكى قبل أيام على منح مساعدات عسكرية لمصر في الموازنة الجديدة؟ دوائر صنع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الكونجرس والبنتاجون ومجلس الأمن القومى ووزارة الخارجية، وفى الفترة التي أعقبت ثورة 30 يونيو كانت مواقفهم متضاربة ومتناقضة تجاه مصر، فالبنتاجون أيد مصر في خارطة المستقبل، أما الكونجرس فانقسم على نفسه ما بين مؤيد وآخر معارض اعتبر 30 يونيو انقلابا، وهذا نتيجة لتدخل اللوبى الصهيونى، أما مجلس الأمن القومى ووزارة الخارجية فتناقضت تصريحاتهم وتضاربت، وبالتالى فإن قرار الكونجرس الأمريكى بمنح مصر مساعدات عسكرية جاء بعد استقرار الأمن بها، ومضت خارطة المستقبل في طريقها الذي رسمته لها القوى الوطنية.