هل باستطاعة السلطات الليبية الحالية نزع سلاح الميليشيات المسلحة التي باتت تفرض قانونها الخاص في ليبيا؟ وهل التدخل الخارجي هو الحل في هذا البلد الذي بات العنف سمته الأبرز؟ فلا يزال الغموض يسيطر على المشهد السياسي والأمني في ليبيا، وذلك مع ازدياد حدة القتال بين مختلف الفصائل المسلحة، فيما يسعى مجلس النواب الجديد إلى حل الميليشيات الموجودة، والمؤلفة من معارضين وثوار سابقين مدججين بالسلاح ومتحالفين مع فصائل سياسية قوية. وجعل هذا الاقتتال الكثير من المراقبين يصفون مستقبل ليبيا ب"الدولة الفاشلة"، خاصة مع غياب مؤسسات الدولة التي تقوم على فرض القانون. ويدور الصراع بين كتيبتي "القعقاع" و"الصواعق" المناهضتين للإسلاميين والتابعتين لمقاتلين سابقين من بلدة "الزنتان" الغربية من جهة، ومن جهة أخرى كتائب تميل أكثر إلى الإسلاميين والكيانات السياسية الإسلامية ومرتبطة ببلدة مصراتة. وقاتلت كتائب "مصراتة" و"الزنتان" جنبا إلى جنب في مواجهة القذافي، ولكن بعد الحرب تزايدت الخصومات بينهما، حيث يؤكد قادة كتائب مصراتة أنهم يحاولون تطهير البلاد من فلول قوات القذافي، كما يقدم تحالف الزنتان نفسه على أنه يقاتل المتشددين الإسلاميين. ويشتبك الفصيلان المتناحران منذ أكثر من شهر في معارك بالصواريخ والمدفعية حولت جنوب العاصمة الليبية طرابلس إلى ساحة قتال، مما دفع الأممالمتحدة والحكومات الغربية إلى إغلاق بعثاتها وإجلاء الدبلوماسيين. وقال مشرعون إن قرار البرلمان الصادر أمس الأربعاء (13أغسطس) بحل الميليشيات المسلحة سيشمل قوات درع ليبيا المرتبطة بمدينة "مصراتة"، وكتائب "القعقاع" و"الصواعق" المرتبطة بمدينة "الزنتان". والسؤال المطروح الآن، كيف يمكن نزع سلاح الميليشيات المسلحة في ظل غياب جيش ليبي وحكومة قادرة على تطبيق القرارات التشريعية الصادرة عن البرلمان الجديد؟! من يطبق القرار؟ منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، بدت السلطات الانتقالية في البلاد عاجزة تماما عن استعادة النظام والأمن في بلد يعاني من الفوضى وغياب مؤسسات الدولة، حيث فشلت السلطات في السيطرة على عشرات الميليشيات المسلحة التي شكلها الثوار السابقون الذين قاتلوا نظام القذافي والتي لا تزال تفرض قانونها في البلاد، وما زاد من حدة الأزمة هو السباق المحموم بين مختلف هذه الجماعات المسلحة للسيطرة على المواقع الإستراتيجية بالإضافة إلى صراعها على الثروة والسلطة. يقول علاء الدين المقريف، النائب في المؤتمر الوطني الليبي سابقا عن مدينة بنغازي، إن قرار مجلس النواب الذي اتخذه الأربعاء الماضى بحل المليشيات ليس بجديد، مؤكدا أن المؤتمر الوطني الليبي السابق اتخذ قرارا فيقرار 2013 بهذا الشأن ولم يطبق، ويضيف:" نحن لا نحتاج إلى قرارات جديدة، بل نحن بحاجة إلى آليات لتطبيق هذه القرارات، والمعضلة الكبيرة هنا تكمن في إمكانية خلق حكومة تستطيع تنفيذ ما يصدره الجهاز التشريعي." وكان المؤتمر الوطني الليبي العام قد اتخذ مطلع 2013 قرار بحل جميع الكتائب المسلحة، حتى تلك التي تعمل تحت شرعية الدولة وذلك في سقف زمني محدد بنهاية تلك السنة وإدماجهم في المؤسسات الأمنية الحكومية، وتسديد مستحقاتهم المالية، لكن هذا القرار بقي حبرا على ورق، مع فشل حكومة زيدان في تأمين حتى رئيسها الذي تعرض لعملية خطف ومساومة. تدخل دولي أم حوار داخلي؟ ومع ازدياد أعمال العنف في ليبيا، وعدم قدرة السلطات الحالية على فرض القانون العام وإحلال الأمن في البلاد، طالب مجلس النواب الليبي كذلك في جلسته الأربعاء بتدخل الأممالمتحدة من أجل حماية المدنيين والمؤسسات، وجاء تصويت مجلس النواب بأغلبية كبيرة بدعوة الأممالمتحدة لتقديم المساعدة من دون تقديم تفاصيل عما قد يشمله ذلك، وشكك هذا القرار في مصداقيته علاء الدين المقريف، النائب في المؤتمر الوطني الليبي سابقا عن مدينة بنغازي، حينما قال في حوار مع DW عربية:" لقد تمت المصادقة على هذا القرار بعد أن انسحب نحو خمسين عضوا من جلسة مجلس النواب، ولم يكن مقررا أصلا طرح هذا الموضوع للتصويت خلال جلسة الأربعاء". وأضاف المقريف أن "هذا القرار يتنافى مع السيادة، فإذا كنا نطالب بمساعدة الأممالمتحدة في بناء مؤسسات الدولة فهذا مطلب كل الليبيين، ولكن الصيغة التي خرج بها القرار فإنه يدعوا إلى الكثير من التساؤلات، لكن ما نأمله من الاممالمتحدة والمجتمع الدولي حاليا هو محاولة فتح باب الحوار بين الليبيين للوصول إلى توافق داخلي، وهي خطوة أساسية لنزع سلاح الكتائب".