- «فيتو» تكشف في تحقيق استقصائى: - أعد هذا التحقيق بدعم شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) www.arij.net - ثغرة في طريقة فحص الواردات تسمح بدخول مستحضرات تجميل مخالفة للمواصفات - الكرياتين.. منتج طبيعي في الجسم يستحيل إدخاله للشعر من الخارج - الفورمالين.. هو العامل الحقيقي لمنع التجعد بعد عمليات الفرد «انتظار المرض أسوأ من المرض نفسه»، هكذا تصف جيهان ما تعانيه من ضغوط نفسية خشية إصابتها بالسرطان بسبب حلم الشعر الجميل الذي راودها لسنوات قبل زواجها. والسبب أنها استخدمت ثلاث مرات منتجات تنتشر في صالونات التجميل في مصر ويروج لها على أنها تحتوي على مادة الكرياتين لفرد الشعر، دون إشارة واضحة إلى أنها تحتوي أيضا على مادة الفورمالين، التي يجزم الباحثون بأنها مادة مسرطنة. وكشف تحليل أجرته «فيتو» لثلاث عينات من منتجات «الكرياتين» المستوردة والمحلية الصنع في السوق المصرية أن نسبة الفورمالين فيها تتراوح بين 16 ضعفا و41 ضعفا للحد المسموح به وفقا للمواصفات الأوربية المعتمدة في مصر والبالغ 0.2 %. خطر هذه المادة لا يقتصر على المستخدمين فقط، لكنه يهدد أيضا العاملين في مراكز التجميل، حسب مسح أجرته «فيتو» لمراكز في مناطق راقية وأخرى شعبية في القاهرة. ويكشف التحقيق أيضا عن ضبابية في تحديد جهة الاختصاص في الرقابة الحكومية على سلامة استخدام منتجات التجميل. فالرقابة بشكل عام من اختصاص شرطتي التموين والآداب، لكن كلتيهما لا تختصان بمراقبة سلامة استخدام المنتجات. ولاحظ التحقيق أيضا تقصيرا من وزارة الصحة في الرقابة على دخول تلك المنتجات للسوق المصرية وعدم جدية شرطة التموين في تتبع إنتاج بعضها في مصانع «بير السلم» في مصر. وسط كل هذه المخاطر، يحذر أطباء من أن استمرار هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان بين نساء مصر وفي أي مناطق من الجسم. تقول جيهان حسن التي لا تزال في العشرينيات من العمر: «ولدت بشعر مجعد ورثته عن أبي، وسبب لي مشكلة في صغري، زادت مع اقتراب زواجي، بخاصة مع تجارب فتيات في عائلتي سبقوني في الزواج وتدهورت حالة شعرهن بسبب محاولة فرده باستخدام المكواة بالطريقة المعتادة». وتضيف: «كل هذه الأسباب جعلتني استجيب لأول إعلان رأيته عن فرد الشعر باستخدام الكرياتين. الإعلان أشار بوضوح إلى أن ما سأقوم به ليس فردا للشعر، وإنما علاج طويل الأجل، وأكد أيضا أن الكرياتين مادة طبيعية من مكونات الشعر. وكان ذلك بمثابة الحل السحري بالنسبة لي، فقررت خوض التجربة. تكلفت تلك العملية 2000 جنيه (275 دولارا)، وأسفرت عن نتائج مذهلة استمرت نحو ثمانية أشهر. لكن بعدها عاد شعري لسيرته الأولى». حين راجعت جيهان الصالون الذي أجرت به عملية فرد الشعر عرفت أن العلاج بالكرياتين «يدوم لفترة محددة ولا بد من تكراره». خضعت جيهان لفرد الشعر بالكرياتين ثلاث مرات منذ زواجها قبل ثلاثة أعوام. وتراوحت المدة بين كل عملية وأخرى بين ستة وثمانية أشهر. إلا أنها شعرت بالخوف حين سمعت تحذيرا عبر برنامج تليفزيوني على لسان طبيب أمراض جلدية يشير إلى علاقة بين فرد الشعر بالكرياتين وبين مرض السرطان. دفعها ذلك لإجراء فحص لدلالات الأورام جاءت نتيجته سلبية. لكن طبيبها أبلغها بأن عمليات فرد الشعر التي تعرضت لها تزيد احتمال إصابتها بالسرطان بسبب وجود مادة الفورمالين ضمن منتجات الكرياتين، ما جعلها تعيش في كابوس دائم، بخاصة أنها عاصرت موت ثلاثة أفراد من عائلتها بهذا المرض الذي لا تتجاوز نسبة الشفاء منه في مصر 55%، طبقا لتصريحات د.حسين خالد عميد المعهد القومي للأورام سابقا. في هذا التحقيق الذي تم إنجازه على مدى ثلاثة أشهر، رصدنا انتشار منتجات الكرياتين المضاف لها «الفورمالين» في صالونات التجميل المصرية دون اتخاذ احتياطات أو إبراز تحذيرات من أضرارها. وحسب شروط السلامة لمستحضرات التجميل المستوردة التي تضعها وزارة الصحة وتعتمد دليل الأدوية الأوربي يجب ألا تزيد نسبة الفورمالين عن 0.2 %. وطبقا لتصريحات ماجد جورج الرئيس السابق لشعبة التجميل في اتحاد الصناعات، يبلغ حجم صناعة مستحضرات التجميل في مصر ستة مليارات جنيه (857 مليون دولار تقريبا) في حين تبلغ قيمة الواردات 2.4 مليار جنيه (343 مليون دولار تقريبا) أي 29% من حجم السوق. لكن الرقابة على هذه الواردات غير محكمة. فحسب قرار وزير الصحة رقم 266 لعام 2006، يكون سحب عينة من حاويات كل شحنة مستوردة إجباريا في المرة الأولى فقط، لكنه يكون عشوائيا في المرات التالية. خطر على الزبائن والعاملين عبر صفحات موقع فيس بوك للتواصل الاجتماعي، التقطت معدة التحقيق إعلان أحد المراكز المتخصصة في العلاج بالكرياتين بضاحية مدينة نصر. وداخل المركز رصدت عدم استخدام أي من العاملات وكذلك الزبائن لأي أقنعة واقية من أبخرة الفورمالدهيد المتصاعد من عملية الفرد، رغم وجود تحذيرات على العبوة بضرورة استخدام أقنعة الغاز. تبدأ عملية فرد الشعر بالكرياتين بغسله بشامبو خاص يعرف بشامبو ما قبل الكرياتين، لإزالة الكيماويات منه. بعدها يجفف الشعر باستخدام مجفف الشعر الهوائي «السيشوار». ثم تقوم العاملة بتقسيم الشعر إلى خصلات توضع عليها مادة الكرياتين بعد رجها مع ترك مسافة سنتيمتر واحد عن جذر الشعر لتجنب إلحاق ضرر بفروة الرأس أو جذور الشعر. وبعد ذلك يفرد الشعر باستخدام مكواة الشعر بزاوية 90 درجة على فروة الرأس. وفي هذه الخطوة تبدأ مادة الفورمالين بالاحتراق لتتصاعد أبخرة الفورمالدهيد بمخاطرها التي تتراوح من تهيج العين والجيوب الأنفية وحتى سرطان الرئة والدم والحنجرة، حسب ما سجلناه في التحقيق من شهادات الأطباء والباحثين. ويقول د.مصطفى عبد العال أستاذ الكيمياء التحليلية بكلية الصيدلة إن الفورمالين مصنف كأحد مسببات مرض السرطان في علوم الصيدلة. ه.ش إحدى العاملات في مركز تجميل بمدينة نصر تؤكد أن «المركز يقوم بما يتراوح بين 10 و20 عملية فرد بالكرياتين في اليوم الواحد. ويزيد العدد في مواسم الأعراس والأعياد والصيف». وتشير إلى أنه لا العاملات ولا الزبائن يرتدين أقنعة واقية من الغازات المتصاعدة أثناء عملية الفرد. أسعار عبوات الكرياتين متفاوتة، ففي الصيدليات الكبرى تباع عبوة الكرياتين المستورد من الولاياتالمتحدة حجم 300 ملليمتر بسعر 1055 جنيها (146 دولارا) بينما توجد في مراكز بيع مستلزمات الكوافير بالمناطق الشعبية نوعيات أخرى بعضها تنسب صناعته إلى الولاياتالمتحدة ولكن بجودة أقل، وبعضها لبناني أو فرنسي أو برازيلي وتباع بسعر 800 جنيه (110 دولارات) لحجم 1000 ملليمتر. ويمكن تقسيمها وبيعها بعد إعادة تعبئتها، فيما توجد نوعيات أخرى يدعي مروجوها أنها خالية تماما من مادة الفورمالين تباع العبوة سعة 100 ملليمتر بسعر 325 جنيها (46.5 دولارا). شروط السلامة غائبة بحسب استطلاع أجرته «فيتو» في 14 صالون تجميل بمنطقة شبرا الخيمة التي اختيرت كمثال للمناطق الشعبية، جاءت النتيجة أن مركزا واحدا فقط لم يُجر أي عملية فرد للشعر بالكرياتين من المراكز التي بدأ أقدمها نشاطه قبل 13 عاما. ولم يستطع مركزان تحديد عدد عمليات الفرد نظرا لكثرتها. وأما باقي المراكز فتراوح المعدل بها بين عمليتين و30 عملية على مدى سنوات عملها منذ بدء نشاطها إذ يتأثر الإقبال على كل منها بما إذا كان موقعه في شارع عمومي أم في حارة ضيقة. وكشف الاستطلاع عدم معرفة عشرة من أصحاب المراكز بوجود مخاطر من استخدام الكرياتين المضاف له الفورمالين، فيما أقر أربعة بمعرفتهم بالمخاطر، وذكروا أنهم يستخدمون فقط ما قالوا إنه الكرياتين الخالي من الفورمالين، أو يحتاطون بتوفير تهوية جيدة للمكان. وعن طريق موقع «الفيس بوك» تعرفت المحررة على سبعة مراكز تجميل تعلن عن عروض فرد الشعر للالكرياتين بمناطق راقية. وأثناء زيارة اثنين من هذه المراكز كزبونة، اتضح أنهما لا يستخدمان أي احتياطات أمان. إحدى أهم شركات منتجات فرد الشعر بالكرياتين هي شركة «جلوبال الكرياتين » الأمريكية، ولها عدة صفحات على الفيس بوك منها واحدة تنشر قائمة بمراكز التجميل المعتمدة التي تستخدم المنتج الأصلي في مصر. اخترنا عشرة مراكز منها عشوائيا، في مناطق الزمالك ومصر الجديدة ومدينة نصر والمهندسين للتأكد من احتياطات الأمان، ولاحظت معدة التحقيق، وجود منافذ للتهوية في غالبية المراكز. لكن من بين المراكز العشر، لم تلتزم بشرط ارتداء العاملات لأقنعة سوى ثلاثة مراكز. والتزم مركز وحيد بارتداء الزبائن لقناعٍ واق من الغازات. وتطلب شروط الأمان المكتوبة على المنتجات ارتداء العاملات والزبائن لقناع واق من الغازات وأن يكون العمل في مكان جيد التهوية، لكن لا توجد جهة تتابع تطبيق تلك التعليمات. فالرقابة على مراكز التجميل من اختصاص شرطة التموين، وأيضا شرطة الآداب وكلتاهما لا تختص بمراقبة سلامة استخدام المنتجات. طبقا لإجابات أصحاب المراكز، انتشر استخدام الكرياتين في مصر منذ عام 2001 نظرا لظهور نوعيات أقل سعرا. وتؤكد غالبية المراكز في الإعلانات استخدام النوعية «الأصلية» من منتجات الكرياتين التي لا تحتوي على الفورمالين، أو تحتوي على فورمالين بالنسب المسموح بها فقط. الربط تثبته التحاليل اختارت معدة التحقيق ثلاث عينات، الأولى لشركة «جلوبال الكرياتين » الأمريكية، من أحد فروع سلسلة صيدليات كبرى بمنطقة الدقي، ولا تحمل أي إشارة لاحتوائها على الفورمالين. إذ استبدلت بكلمة «الفورمالين» في المكونات كلمة «جيلكول ميثيلين» وهو محلول مائي من مادة الفورمالين حسب موقع وكالة السلامة والصحة المهنية التابعة لوزارة العمل الأمريكية (www.osha.gov). أما العينة الثانية فكانت من متجر لبيع مستلزمات الكوافيرات في شبرا الخيمة وتمثل منتجات الكرياتين المعبأة محليا والمنتشرة شعبيا. واشتريت العينة الثالثة عبر الإنترنت عن طريق إعلان عن «أورجانيك الكرياتين » خال من الكيمياويات. وتم تحليل العينات في معمل تابع لجامعة القاهرة. نتيجة تحليل عينة «جلوبال الكرياتين » كشفت عن وجود الفورمالين بنسبة 8.3 % وهو ما يعني 42 ضعف النسبة المسموح بها وهي 0.2 %. لكن محمد الأزهري مدير المبيعات في شركة (SMC) المستورد الوحيد لمنتجات «جلوبال الكرياتين »، يؤكد أن العبوة التي تم تحليلها مقلدة، رغم أن معدة التحقيق أبلغته أنها اشترتها من صيدليات «العزيى» التي تضعها الشركة على صفحتها على الفيس بوك كمصدر موثوق للمنتج. وحين طلبنا تعليقا من إدارة صيدليات العزبي، أكد المسئولون أنهم يحصلون على كل ما يباع في الصيدليات، من مصادره المشروعة. وطلبوا من المحررة إرسال صورة الفاتورة بالبريد الإلكتروني مصحوبة بالأسئلة، تم إرسال الرسالة إلى أحمد جلال مدير إدارة المشتريات والمستودعات يوم الرابع من مارس، آذار، لكن دون الحصول على رد، حتى إعداد هذا التحقيق. في العينة الثانية «الشعبية»، بلغت نسبة الفورمالين 3.3 %، 16 ضعفا، أما في العينة الثالثة «للالكرياتين الخالي من الفورمالين» فوصلت إلى 7.2 % أي 36 ضعفا. الطب يحذر نتائج التحليل، أثارت صدمة لدى د. مني سبع استشاري الجلد والتجميل، وعضو الأكاديمية الأمريكية لطب الأمراض الجلدية، التي تقول إن هذه النسب «تمثل كارثة صحية وإنها مخالفة للمواصفات الأوربية التي تشترط عدم زيادة نسبة الفورمالين في مستحضرات التجميل عن 0.2 %». وتشير د. سبع، إلى أن عاملة مركز التجميل معرضة لاستنشاق أبخرة الفورمالدهيد، فيما تتعرض المستخدمة إلى خطر تسرب الفورمالين إلى الدورة الدموية، وهو ما يهددها بالإصابة بأنواع من السرطانات مثل سرطان الجلد. أكذوبة الكرياتين الخالي من الفورمالين وتكشف د. منى سبع عضو الأكاديمية الأمريكية لطب الأمراض الجلدية أن: «إقحام كلمة الكرياتين في الدعاية لتلك المنتجات مجرد تضليل، لأن العامل الحقيقي في إبقاء الشعر مفرودا بعد تلك العمليات هو مادة الفورمالين المسرطنة». وتؤكد د. سبع «لا يوجد مستحضر الكرياتين لفرد الشعر خال من الفورمالين»، معتبرة أن إعلانات «منتجات الكرياتين الخالية من الفورمالين» مجرد تضليل. وتوضح أن الكرياتين هو نوع من الأحماض الأمينية الموجودة داخل الجسم ويتواجد بصورة رئيسية في الأظافر والشعر، ومن المستحيل إدخال مادة الكرياتين إلى شعر الجسم من الخارج. وتضيف د. سبع: «لا يوجد أيضا ما يسمى بالكرياتين العلاجى»، معتبرة أن السلع المنتشرة في الأسواق هي منتج فرد للشعر مضاف له مادة الفورمالدهيد المسرطنة، وهي أحد أشكال الفورمالين. «ما يقوم به المنتج هو عمل غلاف من الفورمالين للشعر لمنعه من التجعد لفترة أطول، ولا يعالج التقصف أو السقوط، كما لا يمكن الحصول على علاج من خلال صالون التجميل» على ما شرحت د. سبع. وتوضح أن مخاطر استخدام منتجات الكرياتين المحتوىة على الفورمالين تزداد بالتكرار، متوقعة زيادة نسبة السرطان بين السيدات في مصر بسبب انتشار تلك المنتجات. وتشير إلى مخاطر أخرى يمكن أن تصيب مستخدمي منتجات الكرياتين أبرزها تساقط الشعر، والإكزيما الناتجة عن الحساسية من مادة الفورمالين، وكشفت أنها عالجت حالتين تعرضتا للإصابة بالإكزيما جراء فرد الشعر بالكرياتين. بروتينات سامة وبعرض النتائج على د. مصطفى عبد العال أستاذ الكيمياء التحليلية بكلية الصيدلة في جامعة القاهرة، وعضو اللجان العلمية المتخصصة بوزارة الصحة، يقول إن هذه النتائج تعني إمكانية تعرض العاملات والمستهلكات لأضرار بالكبد تتمثل في تليف يعقبه سرطان بالإضافة إلى سرطان الرئة. وأضاف أن «هناك مقاييس عالمية أكثر تشددا من المعمول بها في مصر، مثل المواصفات الأمريكية التي تحدد الحد الأقصى للفورمالين ب 0.1 % لتجنب إلحاق أذى بالرئتين.» ويؤكد د. مصطفى أن العامل الأساسي في فرد الشعر هو الفورمالين وليس الكرياتين كما تزعم الدعاية. وكشف عن إمكانية تعرض المستهلكات إلى خطر تسرب بروتينات سامة تنتج عن تفاعل الفورمالين مع الكرياتين نتيجة درجة الحرارة العالية التي تصل إلى 220 درجة مئوية، ويمكن أن تمتص عن طريق فروة الرأس لتصل للدم مسببة سرطانات الدم والمخ.