من عجب العجاب أن ترى من كانوا يناضلون قبل الثورة لتمكين الشباب من المشاركة السياسية ويكون لهم صوت انتخابى مسموع، ويدعون لضرورة المشاركة بإيجابية، وعدم التفريط في الحق الانتخابى، ثم تأتى الثورة فتستمر المطالبة بتمكين الشباب من المشاركة الحقيقية وإقامة دولة ديمقراطية. ثم نأتى بعد ذلك لنجدهم أنفسهم من أشد المقاطعين للعملية الانتخابية، بل ومن الداعين لها، بجانب حرصهم الشديد على إبطال أصواتهم كناخبين، وحالة من التمرد تنتابهم تجاه المعنيين بالعملية الانتخابية أو المرشحين أو حتى القوانين التي تقام على أساسها العملية الانتخابية. ذلك يدعونا إلى تساؤلات مهمة فرضت نفسها، هل كنا مخطئين عندما حرصنا على المشاركة الحقيقية قبل الثورة؟ والثورة جاءت لتصحح لنا مفاهيم قبلها؟ أم أن الثورة قد فشلت في تحقيق أهدافها؟ أم لازال هناك احتمال وارد بأن الثورة مستمرة حقًا حتى تجنى ثمارها وتحقق أهدافها؟ أم أنه سوء تقدير قبل وبعد الثورة؟ فلما تحول الداعون إلى المشاركة قبل الثورة إلى "حزب كنبة" وعلى النقيض تحول "حزب الكنبة" إلى دعاة ومبشرون بالمشاركة والإيجابية؟ فخلال ثلاث سنوات شهدنا ثلاثة استفتاءات على الدستور وتعديلاته وأربع عمليات انتخابية برلمانية – شعب وشورى- ورئاسية وثلاث جولات للإعادة؟ ما يعنى أنه باعتبارك "إيجابى" تكون قد ذهبت إلى مقر الاقتراع مرات بعدد أصابع اليدين معًا لتشارك في عًرس ديمقراطى ربما يكون قد فًرض عليك وربما أيضًا تكون من المرحبين به. عن نفسي لم أذهب إلى مقر الاقتراع خلال السنوات الثلاثة عدد المرات الذي يجعلنى "إيجابى" – حسب تقديراتى قبل الثورة-، والأغرب من ذلك أن مشاركتى في تلك المرات كان البطلان بالنسبة لى هو سيد الموقف اللهم مرة واحدة والتي انحزت فيها إلى مرشح بعينه، ولم يحالفه الحظ. ربما يعود السبب إلى سوء تقدير المرحلة الانتقالية التي مرت بها البلاد في البداية، هي التي تسببت في تلك الحالة من العزوف المؤقت، لأبناء جيلي من الشباب، وربما أيضًا حالة عدم الرضا التي انتابتنا خلال تلك الفترة كانت هي المحرك الأساسي للسلوك الانتخابي الذي اتبعناه مؤخرًا، ورغم كل ذلك ورغم افتقار الصناديق إلى أصوات الشباب، إلا أن هناك حقيقة لا يغفلها ولا ينكرها أحد وهى أن صناديق ما بعد الثورة وجدت لها زائرًا جديدًا أظنه دائم، عزف لسنوات عن المشاركة الحقيقية بعد أن فقد الأمل فيها، فضلًا عن أنها خلقت نوعًا من الانتماء الوطنى، تجلى في " طوابير" خارج اللجان. وعن الأصوات المفقودة أظنها قد تعود إلى أماكنها المخصصة، وحتمًا ستشارك في المسيرة عندما تعود إليها الثقة من جديد، والثقة هنا لم أقصد بها الثقة في الصندوق الانتخابى، ولكنها ثقة في مرحلة جديدة من عمر هذا الوطن، تلك المرحلة يجب أن لا تعرف "الغزوات" أو "التفتيت" أو "الاقصاءات" أو حتى تعقيد الإجراءات. وسؤالى الأخير: متى ستعود الأصوات المفقودة؟!..انتبهوا يا سادة فالأمر ينذر بالخطر!