الأزهر ووثائقه بعد ثورة 52 يناير فى ظل حالة السيولة السياسية التى تمر بها مصر بعد سقوط مبارك، وسعى القوي السياسية لانتزاع جزء من الكعكة السياسية فى ترتيبات ما بعد مبارك، قامت مؤسسة الأزهر بنشاط محموم لتأكيد دوره فى النظام الجديد من خلال ثلاثة محاور رئيسية: الأول: سعى الأزهر ليكون هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية ، ليكون المرجعية الدينية الرئيسية للسلطات الثلاثة، وللمجتمع. الثانى: تحديد الأزهر لمفهوم وآليات العلاقة بين الدين والدولة فى الإسلام. والثالث: سعى الأزهر ليكون المتحدث بأسم جميع الأديان فى مصر أمام النظام والخارج. ولتحقيق هذه الأهداف عقد الأزهر مؤتمرين صدر عنهما ما يمكن تسميته بالوثيقة والبيان أهم ما جاء بها أن المجتمعين أكدوا أن الأزهر «يحتكم إليه فى تحديد العلاقة بين الدين والدولة وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة»، وكذلك فى «تحديد المبادئ الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة... حماية للمبادئ الإسلامية .. وتحديد طبيعة المرجعية الإسلامية النيرة» وأيضا أكدت الوثيقة على «تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر»، بل تمادت فى تحديد فلسفة النظام الاقتصادى والسياسى والاجتماعى وفقا للفقه الإسلامي، كما جاء فى البند ثامنا. أما فيما يتعلق بالأديان الأخرى فقد جاء فى الوثيقة «تأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لاتباع الديانات السماوية الثلاثة، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أى معوقات، واحترام مظاهر العبادة بمختلف أشكالها»، وأضح هنا أن الوثيقة تتكلم عن اليهودية والمسيحية والإسلام فقط دون غيرهم، وكذلك تجاهل الوثيقة للمشكلة الرئيسية وهى بناء دور العبادة ومعوقاتها. أما البيان فقد ركز على الحريات، ففيما يتعلق بحرية العقيدة تبنى البيان حرية الأفكار، وليس حرية المعتقد بما يعنى بقاء تجريم التحول عن الدين الإسلامي، وكذلك اعتبر البيان أن هذه الحرية مقصورة على الأديان الثلاثة المعترف بها. أما فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير فقد وضع البيان قيدا على ذلك وهو منع ازدراء الأديان السماوية الثلاثة والتى عادة ما تختزل إلى منع أى انتقاد للإسلام. أما فيما يتعلق بالبحث العلمى فقد أفاض البيان بأن مصدره هو القرآن وعليه لا يجب إلا تتعارض النتائج العلمية وأدوات البحث العلمى مع ما يحرمه القرآن ويقيد الإنسان به. أما حرية الإبداع فقد وضع البيان قيدا عليها وهو «مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية». وبناء على ما تقدم يمكن تحليل الوثيقة والبيان فى عدد من النقاط: أولاً: أنها تسعى لتأكيد دور الأزهر ما بعد ثورة 25 يناير فى كونه المرجعية الدينية العليا. ثانيا: أنها تنطلق من أرضية دينية تدمج بين الدين والدولة، وبين السياسة والدين، وكذلك خرجت من مؤسسة دينية من الأساس، فالحقوق التى تمنح بنص دينى يمكن الحرمان منها بنص دينى . ثالثا: أنها وثائق غير ملزمة إلا إذا انعكست مبادئها فى صياغة الدستور القادم والقوانين المكملة له. رابعا: أنها تقيد جميع أنواع الحريات بقيد الشريعة. خامسا: أنها لا تعترف إلا بالأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. سادسا: إنها تتبنى توجهات الدول الإسلامية بتقييد حرية الفكر والرأى والإبداع. سابعا: أنها غير مطبقة حتى فى الأزهر ذاته. ثامنا: أن العديد من شيوخ الأزهر ما زالوا مستمرين فى الهجوم على اليهودية والمسيحية فى كتبهم ومحاضراتهم وخطبهم فى المساجد، مما يطرح سؤالا.. لمن كتبت الوثيقة إذن؟ تاسعا: أن الوثيقة والبيان تجاهلوا حرية العقيدة. عاشرا: أن مؤسسات الدولة لم تبد أى اهتمام بتبنيها للنقاط الايجابية التى جاءت فى الوثيقة والبيان.