كتبت كثيرا، عن أن استخدام مكبرات الصوت، فى المساجد، والزوايا، والجوامع، فى رفع الأذان، وفى أثناء الصلاة، لا يفعل شيئا، إلا «تكبير» تخلفنا، و«تصغير» قامتنا فى الرقى الحضارى. طالبت عدة مرات، على مدى سنوات، بأن تنطلق حملة قومية، ضد حظر استخدام مكبرات الصوت، فى الصلاة، ولم يستجب المسؤولون، عن الصحة، وعن البيئة. حتى الذين يتشدقون ليل نهار، بأن علينا تصحيح صورة الإسلام، وترشيد سلوك الأمة الإسلامية، سكتوا، بل هم من أول الذين، يستخدمون مكبرات الصوت، أعلى ما يكون، وأخشن ما يكون. كتبت عن أضرار الضوضاء، أو التلوث السمعى، الذى أصبح معلما من معالم الوطن، أينما ذهبنا، شمالا، وشرقا، غربا، وجنوبا.. فى المدن، وفى القرى. كل أمام، كل شيخ، كل خطيب، يصلى بالناس، فى الجوامع، وفى المساجد، وفى الزوايا، بمكبر الصوت فى آن واحد. لنا أن نتصور كم الضجة، المنبثقة، من آلاف الأئمة، والخطباء، والشيوخ. ضوضاء من دون حياء، تقتحم حرمة المسكن، وسلامة الأذن، وخصوصية الوقت، باسم الصلاة. ما الذى سيحدث، إذا أقيمت الصلاة، من دون ميكروفونات؟! هل ستكون باطلة، لو لم يصاحبها، مكبر الصوت، الذى يزعج الناس، ويعكنن عليهم، ويصيبهم بالتوتر العصبى، والخلل السمعى؟! إنه نوع بشع من الإرهاب الدينى، الذى يقترف تحت اسم الصلاة، وذكر الله، وأصبح شيئا قبيحا، اعتدنا عليه، خاضعين، وكأنه من مكملات الصلاة. يوجد قانون فى التشريعات المصرية، اسمه قانون الإزعاج، وهو ينص على معاقبة المتسبب، فى إزعاج الآخرين، بأى شكل، وبأى درجة. لكنه قانون مشلول، عاجز، مجرد كلمات على ورق. كنت أشير إلى هذا القانون، فكانوا يقولون، «هو يعنى مافيش مشاكل فى البلد، غير الميكروفونات.. مافيش فقر.. مافيش قلة عمل.. مافيش قلة سكن.. مافيش قلة علاج.. مافيش قلة حرية.. خلاص المشاكل المهمة حليناها، ومافاضلش غير مسألة الميكروفونات التافهة دى؟! وكنت دائما أندهش من هذا المنطق، الذى يجزئ المشكلات، ويقسم الحياة الإنسانية، إلى فواصل «هامة»، وأخرى «تافهة». إن هذه التجزئة للمشكلات، والتى تؤدى إلى عدم الفهم، أو سوء الفهم، أو نقص الفهم، ينتج عنها بالضرورة، التشخيص الخاطئ، القاصر. وبالتالى، نعجز عن تصور الحلول المناسبة. إن استخدام مكبرات الصوت، فى رفع الأذان، وفى أثناء الصلاة، لهو فى ترابط قوى، مع ظهور، وازدهار اللغة الدينية فى المجتمع، على أيدى التيارات السياسية المتأسلمة. إن الزعيق، والدوشة، والضوضاء المزعجة، فى خطب يوم الجمعة، بصفة خاصة، لهى من الأدوات الرئيسية للإرهاب الدينى، الذى عاصرناه، مع بدء وانتشار التيارات المتأسلمة. لقد امتلكت تلك التيارات، المال، والإعلام المضلل المهادن، والمنافق، وضمائر غالبية النخب من الصحفيين، والكتاب، التى تم شراؤها، لكى تثير الفزع، بكل الأشكال الممكنة، وغير الممكنة. إن المال، والإعلام، والكذب، والالتحاف باسم الله، والتستر وراء الدين، يجعل المستحيل ممكنا. إن الإرهاب الدينى، ليس فقط، سفك الدماء، والاغتيالات، وممارسة العنف الجسدى. الإرهاب، يمتد ليشمل كل أنواع التسلط، والعنف، المنظم، الذى يؤذى البشر المسالمين، فى عقولهم، أو فى أجسادهم، أو فى معنوياتهم. يتكفل الميكروفون، بالإرهاب المعنوى، العقلى، الفكرى، الذى يسفك الخصوصية، ويقتل حق البشر، فى بيئة هادئة، ويئد قدراتهم العقلية على التركيز، والتفكير، والإبداع، ويصيبهم بالتوتر، والأرق، وخلل فى وظائف الأذن. ولأنه يتم باسم الصلاة، فإننا نكون أمام إرهاب دينى، مدروس الهدف.. يصعب مناقشته بالحجة المنطقية.. يضربنا خمس مرات كل يوم. ومن يجرؤ على الاعتراض، يتهم بالاتهامات الدينية، الجاهزة، وهى إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، والاعتراض على ممارسة فرض من فروض الإسلام. لو تأملنا ماذا يضيف الميكروفون، إلى الصلاة، لا نجد شيئا، إلا إشاعة الإرهاب باسم صلاة المسلمين. فالهدوء، لا يناقض إتمام الصلاة، ولا ينتقص من حق، رفع الأذان. أعرف بعض المسلمين، الذين يخرجون من بيوتهم، إلى الشوارع، وقت صلاة الجمعة، لاستحالة احتمالهم، الضوضاء المنبعثة، من عشرة ميكروفونات حولهم. وأعرف شخصيات من النساء، والرجال، غيروا كل نمط حياتهم، فى الاستيقاظ، والعمل، وتناول الطعام، والنوم، بشكل لا يتعرضون فيه، إلا إلى الحد الأدنى من ضوضاء ميكروفونات المساجد، والزوايا، التى تحاصر بيتهم، وحجبت عنه، الشمس، والهواء، ومنظر الخلاء الواسع. وأعرف البعض الذين، تمنعهم ضجة الميكروفونات، والتى قد تظل تزعق بالساعات دون رقابة، ودون رادع أخلاقى، من الاستمتاع بالجلوس فى شرفة منزلهم. أنا شخصيا لا أنزع سدادات الأذن، طوال ال24 ساعة يوميا. حيث ابتليت بعشقى المجنون، بالهدوء.. لا أحتاج الهدوء فقط، لأكتب المقالات، والقصائد. أو عند النوم، أو حين أتأمل. أنا أحتاج الهدوء، على مدى اليوم كله. وفى مجتمع شديد الصخب، أكون فى وضع يستثير الشفقة. حتى عندما تم توحيد الأذان، بصوت الشيخ محمد رفعت، لم نستطع سماع صوته النقى، لأن الميكروفونات المتلاصقة الزاعقة، ما زالت تعمل بكامل طاقتها. ما هذا السخف، وما هذا العبث، وما هذا التسيب المتكاثر حولنا؟! ولا يبدو أن أحدا قادر على إيقافه. يقولون إن إثارة مسألة ميكروفونات، الجوامع، والمساجد، والزوايا، مسألة «تافهة»، وعلينا البداية بحل المشكلات العويصة. أولا، وكما ذكرنا، كل المشكلات مهمة. ثانيا، إذا كانت ضوضاء الميكروفونات، مشكلة تافهة، فلماذا إذن فشلنا فى القضاء عليها، ما دام هى «تافهة»؟؟؟!! ثالثا، هل يمكن أن ننجح، فى المشكلة «العويصة»، ونحن قد فشلنا فى المشكلة «التافهة»؟؟!! نحن نعتقد أن التسيب، فى المواجهة المباشرة، لظاهرة الميكروفونات، هو جزء أساسى، فى التسيب فى المواجهة المباشرة، لظاهرة التأسلم السياسى. تلك الظاهرة، التى تخطط بأدوات كثيرة، منها إرهاب الميكروفونات، لكى تمهد الأرض المصرية، المنهكة، مسلوبة العقل، والقدرات، للحكم بالدين. إن الفشل فى استئصال استخدام الميكروفون، لتأدية الصلاة، لهو امتداد للفشل فى استئصال استخدام الدين، فى السياسة، وفى الزج به، فى شؤون الدولة. إن «الميكروفون»، يصبح بالتالى، رمزا، سياسيا، تماما، مثل الحجاب، مثل النقاب.. ورمزا اجتماعيا، ورمزا ثقافيا، أكثر منه رمزا دينيا. من واحة أشعارى إسلام... مسيحية يهودية..... بوذية لا دينية... كونفوشيوسية زرادشتية.... هندوسية من حقا يهتم؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وكلنا من ماء وطين ودم