السطور التى ستقرؤها حالا كتبتها ونُشرت من عامين اثنين بالتمام والكمال (27 / 12 / 2009) آنذاك كان الجدل محتدما حول معنى ومغزى أنباء تسربت إلى العلن (لأول مرة) أيامها عن صراع وخلاف حاد نشب داخل جماعة الإخوان المسلمين حول مسائل تنظيمية انتهى بانشقاق وخروج النائب الأول لمرشد الجماعة الدكتور محمد حبيب فاتحا الباب أمام سلسلة أخرى من حوادث الانشقاق والخروج، ربما أهمها وأكثرها تعبيرا عن مدى مقاومة الإخوان للتطور حادث «إخراج» الصديق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من «جنتهم التنظيمية» قبل أشهر. هذه السطور القديمة بدت لى وكأنها مكتوبة أمس.. فاقرأ وستكتشف بنفسك: العبد لله كاتب هذه السطور، لم يكن استثناء من جمهرة النخبة الوطنية التى تابعت بشغف واهتمام زائدين وقائع الجدل العلنى الصاخب والنادر الذى دار مؤخرا وكشف جزءا من الصراع التنظيمى المكتوم داخل صفوف ودهاليز جماعة الإخوان المسلمين، الذى كانت أزمة «تمديد» أو «تجديد» البنية القيادية للجماعة هى أحد تجلياته وشيئا من مظاهره وليست كل أسبابه. والحال أن أطراف الصراع الذين تيسر لهم الإدلاء بدلوهم فى موضوع الأزمة على صفحات الصحف وشاشات التلفزة أجمعت (عدا اسثناءات قليلة بدت أكثر استقامة وشجاعة) على نفى وجود صراع أصلا والتقليل من شأن وأهمية الأزمة ومحاولة حصرها ضمن حدود «العادى» من المشكلات الانتخابية المتعارف عليها، وفى سبيل ذلك توسلت الأغلبية الساحقة من المشاركين فى هذا الجدل الإعلامى بترسانة من الحجج اللفظية التى تفاوتت حظوظها من الذكاء وتنوعت ما بين الإقرار الخجول بوجود «بعض المشكلات» فى اللائحة التنظيمية للجماعة يفاقمها واقع القمع والحصار والملاحقة الأمنية المستمرة والظالمة (وهى كذلك بالفعل) وبين اللجوء لأقوال وشعارات لا ينافس فراغها الإنشائى إلا بلادتها واعترافها الصريح بالتخلف والبدائية مثل التفاخر والتباهى بأن «الإخوان عائلة واحدة» أو «عشيرة وقبيلة» موحدة ومصمتة ومحصنة ضد التناقضات والصراعات والتيارات والاتجاهات الفكرية والحركية المختلفة التى هى من السنن الطبيعية فى أى تجمع بشرى! وفى ظنى أن كل هذه الحجج التى اجتهدت لنفى وجود أى أزمة تعانيها الجماعة لم تقنع أحدا من ذوى العقول والألباب، لكنها زادت من اقتناع عبد الله الفقير بأن تلك الجماعة بوضعها العقلى والفكرى والتنظيمى الراهن، وبالنظر إلى حجمها المترامى وثقل وزنها المستمد أساسا من تمركزها الحرج بين مقدس الدين ومتغير السياسة، صارت تمثل إحدى أعقد وأخطر أزمات الوطن حتى إن المرأ قد يجد عذرا لمن يبالغ ويضع الإخوان فى موضع الشطر الثانى من الرحايا (مقابل نظام الحكم القمعى الفاسد) التى تسحق بقسوة مجتمع المصريين حاليا وتبدد أى تراكم لعوامل ومحفزات تطوره ونهوضه وتعطل إمكانيات استعادت حقوقه وحرياته الأساسية. طبعا، يضيق المجال عن ذكر كل أبعاد ومستويات ومظاهر الأزمة السياسية والمجتمعية التى يسهم التكوين الحالى للظاهرة الإخوانية بنصيب وافر فيها، ابتداء من الإصرار على إدماج وخلط «الدعوى» ب«الحزبى» والدينى بالسياسى بذريعة أن «الإسلام دين ودنيا» مع أن الفرق واضح بين «الدنيا» و«السياسة» ويترتب على ذلك، ليس فقط إسباغ قداسة (لدى جمهور البسطاء على الأقل) على آراء واجتهادات سياسية تخص الإخوان وحدهم، بل إن هذا الخلط قد يمكنهم من فرض رؤيتهم وقراءتهم الخاصة لأحكام الدين على سواهم من المسلمين، فضلا عن المواطنين أصحاب الديانات الأخرى.. ثم انتهاء باستنزاف بعض من أفضل أفراد المجتمع وأكثرهم استعدادا للعطاء والاهتمام بالشأن الوطنى العام واستقطابهم للانخراط فى «مجتمع موازٍ» يكاد يكون مغلقا اجتماعيا وسياسيا وعقائديا (واقتصاديا أيضا) مشبع بأفكار ومفاهيم، مسدود أمامها أبواب التطوير والرشادة، لعل أكثرها وأشدها خطورة فكرة اعتماد الانتماء الطائفى والدينى (مسلم أو مسيحى أو غير ذلك) ونوع الجنس (رجل أو امرأة) كمعيار وشرط صارم وحاكم للتمتع بأهلية القيادة السياسية المنتخبة، وقد أذهلنى أن هذا المفهوم المروع والمتخلف من الثقل والرسوخ فى عقول جماعة الإخوان إلى درجة أن الصديق العزيز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، هذا المعدود ضمن أشهر شخصيات الجماعة المتهمة (عن حق) بالانفتاح والنضج الفكرى والسياسى، اضطر قبل أيام إلى ترديد هذه الفكرة علنا ومحاولة تسويغها وتبريرها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.