قد تكون تلك هى المرة الأولى التى نشاهد فيها تصفيقا فى مجلس شعب يخرج صادقا، لأنها جاءت قوية جراء الكلمات القوية التى خرجت فى الخطاب الذى ألقاه منصف المرزوقى أمس (الثلاثاء) عقب تأديته اليمين الدستورية أمام أعضاء المجلس التأسيسى لرئاسته «تونسالجديدة». وما أثار الحماسة فى قلوب الجميع وأدركوا أن «تونس بن على» لن تعود أبدا، هو تلك الدموع التى سقطت على وجنة المرزوقى وجعلت الكلمات تخرج ثقيلة على لسانه، عندما تذكر دماء الشهداء وترحم على أرواحهم، قبل أن يعلن استقالته من رئاسة حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» حتى يكون رئيسا لكل التونسيين، بحسب تصريحاته. «هذا هو المجلس التأسيسى الثانى فى تاريخ تونس»، تلك كانت الكلمات التى افتتح بها المرزوقى خطابه مرتديا «البرنوسة» وهو زى تونسى تقليدى، مشيرا إلى أن المجلس الأول كان عقب إجلاء الاحتلال الفرنسى عن الأراضى التونسية، مضيفا «يجب أن نجحف فى محاسبة سابقينا، فهم جاهدوا من أجل دحر الاستعمار ونجحوا فى كتابة الدستور ووضع أسس الدولة العصرية برئاسة الحبيب بورقيبة، لكنهم أسسوا نظاما سياسيا صادر حريات الشعب وفرض إرادة الحزب الواحد»، لذلك طلب المرزوقى من أعضاء المجلس التأسيسى التعلم من أخطاء الماضى، وأن يؤسس المجلس التأسيسى الثانى لنظام صحيح، حتى لا يكون فى انتظار تونس مجلس تأسيسى ثالث بعد عقود قليلة.. سنحمى المحجبات والمنتقبات والسافرات، تلك كانت الرسالة التى وجهها المرزوقى إلى التيار الإسلامى التونسى من تولى مناضل يسارى شهير رئاسة البلاد، ومن خشية العلمانيين من حصول حركة النهضة الإسلامية على أغلبية البرلمان، مضيفا إلى أنه «لا مكان للثأر أو الانتقام فى تونسالجديدة». «نحتاج إلى تونس حرة بلا أصنام»، هكذا يرى المرزوقى تونسالجديدة التى لا تعمل على صناعة الزعماء والديكتاتوريات. المرزوقى، 66 عاما، بهذا أصبح خامس رئيس لتونس منذ استقلالها عام 1956 وأول رئيس ينتخب ديمقراطيا منذ اندلاع ربيع الثورات العربية، ليكون خير تتويج للمناضل الحقوقى المشهور بدفاعه المستميت عن حقوق الإنسان ومعارضته الشرسة لنظام بن على التى جعلته يقضى زهرة شبابه ما بين النفى والسجن. ولكن وفقا للدستور المؤقت الذى أقره المجلس التأسيسى مؤخرا، فقد تقلصت صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل كبير أمام صلاحيات رئيس الحكومة، وهو المنصب المحجوز سلفا لحمادى الجبالى، الأمين العام لحزب النهضة الإسلامى، بحسب اتفاق تقاسم المناصب الرئيسية الذى تم بين الأحزاب الثلاثة أصحاب أكبر نسب مقاعد بالمجلس التأسيسى. لكن فى المقابل، يعتبر البعض أن ما حدث خطوة تاريخية، فسيكون من صلاحيات رئيس الجمهورية تعيين رئيس الحكومة وتحديد السياسة الخارجية للبلد، والحق فى إعلان الحرب وإصدار العفو وإبرام معاهدات السلام بعد موافقة ثلثى أعضاء المجلس التأسيسى، وأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة ولكنه لا يتمتع بحق تعيين أو إقالة كبار الضباط إلا بالتشاور مع رئيس الحكومة.