رئيس الحكومة يلجأ إلى «الدموع».. قبل «عجلة الإنتاج» سنوات قضاها كمال الجنزورى، رئيسا للوزراء فى عصر مبارك، لم يتحدث فيها، مثلما تحدث خلال الأسبوعين الماضيين منذ عودته إلى نفس المقعد مرة أخرى. محاولات ترضية يبذلها لكل الأطراف، بالحديث حينا، وبالدموع حينا آخر، كما فعل فى المؤتمر الذى عقده مساء أول من أمس للحديث عن أولوياته. «الاقتصاد»، بدا هو الهدف الأول الذى يسبق كل الأهداف الأخرى، حيث اعتبر أن الوضع الاقتصادى «أخطر بكثير مما يتصور أى أحد»، مستدلا على ذلك بالإشارة إلى أن قطاع البترول الذى يعد فى الدول الأخرى الدجاجة التى تبيض ذهبا، العبث الذى تم فيه خلال السنوات العشر الماضية فى سياسات البترول، وصل إلى أن هذا القطاع أصبح مديونا للبنوك ب61 مليار جنيه، وقال إن وزارة المالية منذ أول يوليو الماضى تدفع شهريا لقطاع البترول مليارَى جنيه ليعمل، وقال إنه مضطر إلى قول ذلك، عسى أن يأتى من يتحدثون فى الأمور السياسية ويتحدثوا معهم فى تلك الأمور التى هى مسؤولية ما حدث خلال عشر سنوات مضت لا مسؤولية حكومة بعينها. الجنزورى قال إن قطاع البترول فى بداية التسعينيات كانت البنوك تتسابق للتعامل معه وكان لديه فائض 3-4 مليارات دولار، وبالنسبة إلى الدين العام فى الموازنة العامة، فإنه كان متوسط الاستدانة ما بين 600 و700 جنيه فى بداية التسعينيات، حتى حكومة الدكتور عاطف صدقى، تضاعف، ليصل فيه هذا المبلغ إلى أن يكون بصفة شهرية لا سنوية، ووصل معدل الاستدانة فى الفترة 2000-2005 إلى نحو 3 مليارات جنيه شهريا، ومن عام 2005 إلى 2011، أصبح من 5 إلى 6 مليارات جنيه لكل شهر، وأدى تراكم المديونية إلى أن أصبح الدين ربع الموازنة العامة. الجنزورى طرح حلولا طويلة الأجل، ربما لا تتناسب مع حكومته قصيرة العمر، فهو يقول إنه سوف يتم العمل على ترشيد لا يقل عن 20 مليار جنيه، فى الموازنة العامة، والعمل على توفير إيرادات لن تعتمد على فرض ضرائب جديدة، وبالنسبة إلى قراره تعيين 500 ألف ومدى عبء ذلك على الموازنة العامة، قال إن تطبيق ذلك سيكون «منه فيه». وتحدث الجنزورى عن الأراضى الزراعية التى تم الاستحواذ عليها بطريق الإسماعيلية الصحراوى، مشيرا إلى أن آخر قرار جمهورى اطلع عليه أظهر أن 16 ألفا و300 فدان من الأراضى الزراعية تم نقلها لوزارة الإسكان وتحولت إلى أراضٍ سكنية دون دفع أى مقابل لها. مبالغات الجنزورى.. رسالة ضمنية إلى الإسلاميين الذين يعادون السياحة «وضعنا الاقتصادى كارثى، والحكومة تستدين ستة مليارات جنيه شهريا». هذه التصريحات الصحفية، التى نسبت إلى رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى، وصفها عدد من الخبراء بأنها مبالغ فيها، معتبرين أنها تحمل مدلولات ورسائل سياسية، أكثر مما تحمله من توصيف وتقييم اقتصادى موضوعى. الخبير الاقتصادى الدكتور إبراهيم العيسوى، قال ل«التحرير» إن الوضع الاقتصادى المصرى «صعب بالفعل»، لكنه فى الوقت نفسه وصف تصريحات الجنزورى بأنها «مبالغ فيها»، مشيرا إلى أن المؤشرات الاقتصادية «لم تؤكد ذلك، كما أن الممارسات العامة لم تظهر أى دلالة على هذا الوضع، الذى يصفه رئيس الوزراء بالكارثى». وبرر العيسوى، وصفه لتصريحات الجنزورى بالمبالغة بقدرة مصر حتى الآن على سداد أقساط ديونها الخارجية والداخلية، بالإضافة إلى قدرة الاقتصاد على توفير السلع الاستراتيجية. لافتا إلى أن نقص الغاز، مثلا يعد من الأزمات المتكررة منذ قبل الثورة، لأنها أزمة «ذات طابع موسمى». ونبه الخبير الاقتصادى إلى أن نقص بعض السلع «راجع إلى الارتباك السياسى، والانفلات الأمنى، ولا إلى عدم قدرة الاقتصاد على توفيرها». العيسوى، قال أيضا إن تصريحات الجنزورى «ربما يكون الغرض منها إجهاض أى مطالبات فئوية»، مستنكرا تصريح رئيس الوزراء حول عدم فرض ضرائب جديدة لسد عجز الموازنة، على الرغم من موافقة المستثمرين على زيادة الضرائب والجمارك. «مش هتكلم دلوقتى». رد مقتضب، من جانب الدكتور حازم الببلاوى، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية السابق فى حكومة الدكتور عصام شرف، رافضا التعليق على تصريحات الجنزورى، مؤكدا أنه سيراقب الأوضاع مؤقتا، قبل أن يتكلم. الدكتورة كريمة كريم، أستاذ الاقتصاد فى جامعة الأزهر، أوضحت أنه فى حال تحول الوضع الاقتصادى فى مصر إلى «حالة كارثية، فلن تصيب تلك الكارثة الحكومة وحدها، وإنما سيصرخ من تأثيرها المواطن أولا». متوقعة أن تكون تلك التصريحات «رسالة إلى الإسلاميين، المتوقع فوزهم بأغلبية برلمانية، ليقفوا على حقيقة الوضع الاقتصادى، الذى يحتاج إلى تنمية، وتعظيم موارد الموازنة، بدلا من المزايدة فى ما يتعلق بمحاربة السياحة». رئيس منتدى البحوث الاقتصادية الدكتور أحمد جلال، اعتبر، فى حوار سابق مع «التحرير»، أن الوضع الاقتصادى فى مصر يتعرض إلى «زنقة، وليس أزمة». متوقعا أن تتحسن الأحوال «فى المدى المتوسط، خصوصا حين تنجح مصر فى تأسيس نظام ديمقراطى سليم». من جانبه قال الدكتور سامر سليمان أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إن طول الفترة الانتقالية والحكومات المتعاقبة على الثورة هى السبب الأساسى فى تحقيق الاقتصاد المصرى لهذه المؤشرات السيئة، مؤكدا أن الحكومات المتعاقبة -بما فيها حكومة الجنزورى- ليست سوى حكومة موظفين، مشيرا إلى أن استمرار الوضع السياسى على ما هو عليه والانتظار حتى الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب لتشكيل حكومة ائتلافية يجعل الوضع كارثيا فعلا، لافتا إلى أن الجنزورى يبالغ فى توصيف الوضع بالكارثى، مؤكدا أن التهويل فى التوصيف يأتى لتوصيل رسالة إلى الإخوان المسلمين الساعيين إلى الحكم بأن التركة ثقيلة وغير مغرية بكل مشكلاتها. خبراء يقللون من خطورة مديونيات قطاع البترول تصريحات الدكتور كمال الجنزورى، بشأن مديونية قطاع البترول التى قال إنها وصلت إلى 50 مليار جنيه، أثارت جدلا كبيرا، لم ينته. مصادر ل«التحرير» داخل الوزارة -طلبت عدم ذكر اسمها- قللت من تقديرات الجنزورى، وقالت إن الوضع المالى لقطاع البترول مطمئن. المصادر أضافت أن الهيئة العامة للبترول لها مستحقات تغطى هذه المديونية. بينما أوضح خبراء أن تلك المديونية تمثل أزمة كبيرة سببها الخلل فى استراتيجية وزارة البترول التى تعتمد على شركاء أجانب فى صناعة البترول. مصدر مسؤول فى وزارة البترول قال إن الهيئة العامة للبترول لها مستحقات لدى جهات حكومية مثل وزارة الكهرباء، تزيد على المديونيات، وهناك اتجاه لعمل مقايسات وتسويات بين الجانبين، نأمل فى أن تتحقق فى ظل الحكومة الجديدة. وأشار المصدر إلى أن البنوك ما كانت لتقرض الهيئة، إذا لم تتأكد من قدرتها المالية على السداد، وبالنسبة إلى الشركاء الأجانب فى شركات البترول العاملة فى مصر، فإن الهيئة تشترى حصصهم فى إنتاج البترول والغاز الطبيعى، ويترتب على ذلك ديون على الهيئة فى المقابل، وقد تمت جدولة سداد بعضها. وانتهى المصدر إلى أن موقف المديونيات على قطاع البترول ليس سيئا. اقتصادى إخوانى: الصاوى: الصورة ليست سوداء كما يراها الجنزورى انتقاد حاد وجهه الخبير الاقتصادى بجماعة الإخوان المسلمين عبد الحافظ الصاوى، إلى قرار رئيس الوزراء كمال الجنزورى، بتعيين 500 ألف من العاملين المؤقتين فى جهاز الدولة، معتبرا أن القرار يتناقض مع ما شكا منه الجنزورى نفسه من تفاقم عجز الموازنة والوضع الاقتصادى الخطير الذى أشار إليه. الصاوى تابع «لا يمكن تحقيق المطالب الاجتماعية قبل تحقيق طفرة اقتصادية قائمة بدورها على تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادى، فمثلا لا يجوز أن يقول وزير التضامن الاجتماعى جودة عبد الخالق، إن أزمة الأنابيب سببها اعتداءات البلطجية، لأن صد تلك الاعتداءات يقع على عاتق الدولة بالضرورة». وألقى باللائمة بشأن الانكماش الاقتصادى على ما سماه «التنافس السياسى» الذى دفع البعض إلى التحذير من تأثير صعود الإسلاميين على السياحة، متهما تلك التصريحات بأنها سبب إضافى فى هروب السياح، «خصوصا فى ظل قصر صورة السياحة على العرى والخمور، مغفلين تجربة ماليزيا مثلا فى السياحة العلاجية الإسلامية التى نافست فيها إنجلترا على سياح الخليج»، على حد قوله. إلا أن الخبير الاقتصادى الإخوانى، لم ير مع ذلك الصورة سوداوية كما رآها الجنزورى، مشيرا إلى بيانات البنك المركزى عن العام المالى الماضى 2010 -2011 التى تكشف عن تحقيق 26 صناعة نتائج إيجابية «فصحيح أن نمو الناتج المحلى الإجمالى انخفض من 5.1 ٪ إلى 2.6 ٪، إلا أنه لم يتحول إلى السالب على الأقل»، حسبما أضاف. خطاب الجنزورى، بحسب الصاوى، لم يتضمن إشارة إلى فتح ملف الصناديق الخاصة، أو إلى تطبيق الحد الأقصى للأجور فى الجهاز الإدارى للدولة، وهو ما توقع أن هذا يعالج بنسبة كبيرة عجز الموازنة. الصاوى لم ير فى تصريحات رئيس الوزراء رسالة إلى الإخوان المسلمين من قريب أو بعيد، معتبرا أنه خاطب الجميع فى المؤتمر الصحفى. عمرو رمزى رئيس ائتلاف شباب البترول، أوضح أن مصر تنتج يوميا 690 ألف برميل بترول، نصيب الشركاء الأجانب منها 40%، وأضاف ل«التحرير» أن المستحقات على وزارة الكهرباء إلى هيئة البترول تصل إلى 5 مليارات جنيه. وأشار إلى أن الهيئة لها مستحقات لدى وزارة المالية تتمثل فى فروق أسعار المنتجات البترولية، مثل السولار والبوتاجاز الذى يتم استيراد 92% من الاحتياجات المحلية منه، وتصل تكلفة الأنبوبة نحو 40 جنيها، بينما تعرض للمستهلك بسعر 4 جنيهات فى الأحوال العادية. وأوضح أن ذلك يؤدى إلى زيادة العجز فى موازنة قطاع البترول، بالإضافة إلى إهدار الأموال، مثل ما يخصص لبعض المستشارين فى قطاع البترول بمبالغ تزيد على 5 مليارات جنيه سنويا، دون أن تكون لهم فوائد حقيقية، وإهدار الأموال فى النشاط الرياضى لوزارة البترول. رمزى لفت إلى أن قطاع البترول معروف بمرتباته وأجوره المرتفعة، لكن ذلك يتركز لدى القيادات العليا فى القطاع فقط مثل رؤساء شركات البترول الذين تتراوح مرتباتهم بين 2 إلى 5 ملايين جنيه سنويا، ووزير البترول يحصل على نسبة 1% من دخل القطاع سنويا، وهى نسبة تصل إلى نحو 12 مليون جنيه، بالإضافة إلى المرتب. أما باقى العاملين فإنهم يخضعون إلى ذات هيكل الأجور فى الحكومة، لكن ما يميزهم هى قيمة البدلات فوق تلك الأجور. الخبير فى قطاع البترول الدكتور رمضان أبو العلا أستاذ هندسة البترول بجامعة قناة السويس، أوضح أن مبلغ ال61 مليار جنيه (قيمة مديونيات قطاع البترول) يمثل ديونا للبنوك بالعملة الأجنبية على قطاع البترول، بسبب استيراد المنتجات البترولية مثل البوتاجاز وحتى الزيت الخام الذى تستورده مصر من الكويت مثلا وذلك لعدم كفاية الإنتاج المحلى.