علاقة محفوظ بالندوات قديمة جدا، وتسبقها علاقته بالمقاهى حيث كان يلتقى الأصدقاء والمعارف، أما الندوات فبدأت منذ أوائل الأربعينيات، حين تكونت لجنة النشر للجامعيين التى أنشأها عبد الحميد جودة السحار، وشارك فيها محفوظ، وعلى أحمد باكثير، وعادل كامل المحامى والروائى، وآخرون. وكانت تعقد كل يوم جمعة فى كازينو أوبرا، وتمتاز عن الندوات الأخرى بأنها ندوة أدبية بمعنى الكلمة، إذ يحضرها عدد من الأدباء والنقاد والمثقفين، ويناقشون كتابا كل أسبوع، ومعظم موضوعاتها ثقافية وفكرية وأدبية. بالإضافة إلى الحديث عن نشر مؤلفات أعضاء لجنة النشر بطريقة متتابعة. أما ندوة قصر النيل فكانت ذات طبيعة مختلفة، إذ كانت تميل نحو السياسية أكثر منها للأدب، وأتذكر أن بعض الصحف كتبت عن ترشيح الأستاذ لجائزة نوبل، لكنه لم يأخذها مأخذ الجد! وقد ذكر الأستاذ لنا مرة حديثا جرى بينه وتوفيق الحكيم، حين قال له الحكيم: هل قرأت ما نُشر فى الصحف عن ترشيحك لجائزة نوبل؟ فأجابه: نعم، فسأله الحكيم: هل اتصلت بك السفارة السويدية لتحصل منك على سيرتك الذاتية؟ فأجابه محفوظ: لا، لم يتصل بى أحد. فقال له: لا تصدق مثل هذه الأخبار المنشورة فى الصحف، لأنك إذا كنت مرشحا فعلا، كانت السفارة اتصلت بك لتأخذ بياناتك. (وهذا لم يحدث عند حصوله على الجائزة). وبينما كنا نؤكد عظمة إبداع محفوظ، وجدارته بأرفع الجوائز بما فى ذلك جائزة نوبل، وأن أعماله تفوق فى قيمتها وفى عددها أيضا أعمال بعض ممن حصلوا على الجائزة. كان الأستاذ دائما ما يصر على أن الاسم المصرى، بل والعربى الوحيد الذى يجب أن يُرشح لجائزة نوبل، هو اسم توفيق الحكيم! وأعمال الحكيم تعد من أعظم روائع الأدب المصرى الحديث، ومن ثم فهى جديرة بأرفع الجوائز العالمية، ولو طلب منى أن أختار اسما آخر فى الأدب العربى المعاصر يعد جديرا بجائزة نوبل لاخترت توفيق الحكيم. وقد سألت الأستاذ عن رأيه فيما لو حدث أن جاءت إليه الجائزة فى حياة الحكيم؟ فقال لى: لو حدث ذلك لما خرجت من بيتى! إلى هذه الدرجة كان يشعر بالولاء لصديق عمره، ويرى أنه إذا حصل على نوبل فى وجود الحكيم، فكأنما أخذ جائزة لا تخصه، إذ إن محفوظ يعد الحكيم أستاذا له فى فن الكتابة، مثله مثل الرواد الكبار طه حسين والعقاد والمازنى، إذ إنهم كتبوا أشكالا أدبية عدة، فهم كانوا يشقون طرق الكتابة الأدبية، وكان الأستاذ يرى أن فن الرواية يعد فنا حديثا بالنسبة إلى الأدب العربى، وأن الجوائز العالمية، ستأتى لمن يأتون من بعده، ويكملون المسيرة الإبداعية! ولحظة حصوله على الجائزة، قال إن الأحق بالجائزة، هم أساتذته: طه حسين والعقاد والحكيم! كما أنه أجاب عن سؤال وجه إليه: لمن تهدى جائزة نوبل؟ فقال: إلى يحيى حقى.