رغم أن النفاق والكذب حرام قطعا، وبالتأكيد فى كل شرع وأى دين، ومع ذلك فإن أسوأ سمات ومشكلات الأحزاب الدينية التى اقتحمت مؤخرا وبغشم شديد ساحة العمل السياسى فى هذا البلد، ليس فقط أنها أحزاب تتخذ الدين وسيلة للصعود إلى سدة الحكم، بالمخالفة للقانون والأخلاق وأصول الديمقراطية المتعارف عليها والمعمول بها فى كل ديمقراطيات الدنيا شرقا وغربا (من إندونيسيا وتركيا حتى أوروبا وأمريكا)، وإنما السمة والمشكلة الأخطر أن هذه الأحزاب تعتمد فى مخاطبة المجتمع والرأى العام خطابا مراوغا ومزدوجا (حتى لا نقول متناقضا وكذابا)، بحيث يستحيل على المواطن البسيط (والمعقد أيضا) أن يتبين بوضوح حقيقة توجهاتها وأهدافها ونواياها، وهو أمر يخالف ويتناقض بدوره مع أصل حاكم وعمود أساس من أعمدة الديمقراطية الحقة، ألا وهو مبدأ الشفافية والعلانية والوضوح التام. وحتى لا يبدو الكلام مجرد انطباع يستند إلى ملاحظات عابرة وغير معينة ولا مدققة تدقيقا كافيا، ولكى لا أسهل على الشتامين معدومى التربية والأخلاق المنتشرين فى حوارى وأزقة الفضاء الإلكترونى المهمة المأجورين لها أى ممارسة لوصلات الردح السافل وحملات التكفير الفاجر ضد كل من يتجاسر على نقد أصنامهم وفضح أوثانهم، سأترك السطور التالية لمثال واحد فقط من بين فيض هائل من الأمثلة التى تنهض كأدلة ساطعة تثبت كيف أن المتسربلين برداء الدين الحنيف يتخبطون ويتنقلون علنا وبخفة يحسدون عليها بين الحقيقة والكذب، ما يشى بأنهم يضمرون ويخفون أكثر كثيرا مما يكشفونه ويصارحون به خلق الله. وقد اخترت من قائمة الأدلة مثالا بعينه لا يفوق طرافته وكوميديته إلا غرابته وفجاجته، كما أنه طازج وقريب لم يطوه النسيان بعد.. فكلنا تابعنا وقائع المسخرة السياسية والفكرية الفاضحة التى لعب بطولتها الأخ عبد المنعم الشحات، ممثل الحركة السلفية فى الإسكندرية القيادى البارز فى حزب «النور»، طوال الأسابيع الماضية، وقد تندرنا وتسلينا جميعا بترهاته وتفوهاته وفتاواه الهزلية التى لم توفر شيئا فى الدنيا لم تحرمه، ابتداء من الفن والإبداع والتراث الباقى من الحضارات الإنسانية وحتى الديمقراطية والانتخابات وما شابه، رغم هذا لم يجد الرجل أى غضاضة ولا اهتز رمش واحد فى عيونه الجريئة، بينما هو منغمس فى ممارسة هذا «الحرام الديمقراطى» الشنيع من خلال الترشح ممثلا لحزبه فى انتخابات برلمانية لا يعترف بمشروعيتها ولا يرى حلالا فى كل ما يتمخض عنها! ومن جانبه فقد ظل حزب النور يدعم الأخ «شحاته المكفراتى» هذا بكل قوة، إلى أن عاقبه الناخبون فى جولة الاقتراع الثانية، وأسقطوه سقوطا ذريعا، فإذا بإخوانه قادة الحزب يعلنون براءتهم من مفتيهم المسكين، ويتركونه فى العراء، يواجه مصيره المظلم وحده (!!) غير أن المولى تعالى أراد أن يقتص للرجل فورا من صحبه ورفاقه الذين غدروا به، فلم تمر سوى ساعات قليلة حتى نطق عدد من أبرز مرشحى الحزب فى دائرة شمال الجيزة بالفتاوى عينها التى قالها الشيخ شحاتة، ففى مؤتمر انتخابى عقده هؤلاء فى قرية البراجيل يوم الأربعاء الماضى قال كبيرهم إن «ترك الحكم للشعب أو ما يعرف بالديمقراطية كفر بالله»، مطالبا هو ورفاقه بنظام «البيعة»، وليس الانتخابات لاختيار «خلفاء المسلمين».. هل تلاحظ أن القائلين بهذه الفتوى كانوا يمارسون شيئا من الكفر الانتخابى؟! وربما أكمل غدا بأمثلة أخرى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.