تأمّل فى هذه الكلمات المكتوبة بخط جميل على أرض الشارع أمام مقر مجلس الوزراء، حيث يعتصم مئات من الثوار المثابرين، وهذه هى العبارة التى كتبها أحدهم «أنا زعلان منك يا مصر». فهل تعلم يا صديقى القارئ، لماذا كُتبت هذه العبارة على أرض المحروسة؟ ولماذا ينتاب الكثير منا مثل هذا الشعور المؤلم، فى هذه الأيام الضبابية؟ بالتأكيد أنت تعرف بعض الأسباب الكامنة وراء هذا الحزن العميق، أو هذا «الزعل»، ولعل هناك أسبابا أخرى قد لا تعرفها أنت، ولا أعرفها أنا، فربما ثمة أسباب عميقة جدا، أو مرارات قديمة متشعبة الجذور، أو لعلها خيبة أمل شديدة، أو إحباط قاس ومدمر، أو غير ذلك من أسباب دفينة فى الشخصية المصرية، التى يعبر عنها صوت الناى الحزين، وهذه الأعماق البعيدة قد تغيب عنا جميعا، كما تغيب عن كاتب هذه العبارة المؤثرة. لن نغوص كثيرا بحثا عن أسباب «الزعل» ومبرراته، ولكننا سنتأمل ببساطة فى ما حدث لثوارنا الأبطال منذ بداية الثورة حتى الآن. كلنا نعلم التضحيات العظيمة التى قدمها الثوار من أجل هذا الوطن الغالى علينا جميعا، وهذه التضحيات المبهرة للعالم كله، كانت من أجل هدف واحد بسيط ومحدد، وهو «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكننا جميعا اكتشفنا بمرور الأيام والشهور أن رأس النظام سقط، بينما النظام ذاته كما هو بالضبط! فنظام مبارك ما زال حتى الآن يحكم مصر! فماذا حدث حين اكتشف الثوار هذه الحقيقة؟ خصوصا أن جموع كثيفة من شعبنا عبّرت بوضوح عن تعبها ومعاناتها ويأسها من الأوضاع الحالية، ورغبتها فى عودة الحياة إلى طبيعتها تحت أى وضع من الأوضاع! فالناس تريد أن تعيش، تأكل وتشرب، وتربى أولادها. لكن نبض الثورة ما زال ينبض فى عروق الثوار، ومن ثَم تتابعت المظاهرات والاعتصامات والمليونيات، واندلعت الاشتباكات العنيفة مع قوات أمن غاشمة، استخدمت كل أنواع الأسلحة القاتلة فى تعاملها مع ثوار عزل، حتى صعد عشرات الشهداء منا إلى المولى عز وجل، كما سقط آلاف الجرحى والمصابين، وفقدنا كثيرين فى هذه الشهور الطويلة من الصراع الدائر بين الثوار وبعض المتعاطفين معهم من جهة، والمجلس العسكرى وحكوماته الفاشلة من جهة أخرى! فماذا كانت نتيجة هذه المعارك الطاحنة؟ النتيجة تمثلت فى خروج المشير علينا بخطابه الأخير، الذى أعلن فيه موعد تسليم السلطة فى منتصف العام القادم، بدلا من حديثهم عن 2013، كما أعلن المشير عن تغيير حكومة شرف الفاشلة، وتوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، مع بدأ الانتخابات البرلمانية. ويمكن أن نعتبر هذه مكاسب جيدة، لكنه تجاهل البرادعى، وأخرج لنا الجنزورى من الكهف! واحتفظ بالسلطات كلها فى يده، فى حين أن القوى السياسية جميعا، انطلقت تسعى وراء مقاعد البرلمان، وتبقى فى الاعتصام ثُلة من الثوار النبلاء يهتفون بأعلى صوتهم رافضين حكم العسكر والفلول والأرزقية.