لا شك أن حالة التوجس والقلق التى انتابت كثيرين، خشية المد الوهابى، هى حالة مفهومة ومبررة تماما.. فقد أظهرت نتائج المرحلة الانتخابية الأولى، أن حزب النور السلفى يقترب من العشرين بالمئة، وإذا أخذنا فى الاعتبار أن الإخوان المسلمين هم أصحاب النسبة الكبرى فى نفس المرحلة، فهذا يعنى أن التيار الإسلامى عموما يقترب من تشكيل أغلبية البرلمان، لو سارت المرحلتان الثانية والثالثة على نفس الوتيرة. التوجس والقلق، لا ينبعان من نفور فطرى تجاه السلفيين، ولا يأتيان من فراغ، بل ينتشران بفضل تصريحات بعض القيادات السلفية، من نوعية السيد عبد المنعم الشحات، الذى يرى فى روايات نجيب محفوظ دعوة للرذيلة، والذى يرى أيضا أن الديمقراطية كفر، رغم كونه مرشحا فى الانتخابات.. فضلا عن تصريحات أخرى منه ومن قيادات أخرى حول فرض الحجاب، وعدم السماح للنساء بالعمل، وغير ذلك مما يعبر عن مشكلتهم الأزلية تجاه المرأة، صوتا وصورة وحركة وإنجازا وقيادة. الطبيعى إذن بالنسبة إلى العاملين بالمجال الفنى، أن يتحول التوجس والقلق، إلى فزع وهلع، فتحكم الأفكار الوهابية فى مقاليد الأمور سيؤدى حتما إلى منع الفنون بأنواعها، أو على أفضل تقدير، لن يتم السماح بأى أعمال فنية إلا بعد مرورها على عشرات الفلاتر الرقابية، وهو ما سينفى عنها الصفة الفنية ويحولها إلى مسوخ دعائية. حسنا، بمنتهى الأمانة معكم ومع نفسى، لا أشعر بذرة قلق واحدة.. عدم قلقى لا يستند إلى ثقة فى كياسة الساسة السلفيين، ولا يستند إلى احتمال تغييرهم لأفكارهم.. بل يستند إلى «عدم قدرتهم» على المساس بالحريات.. هم يتمنون ذلك، وسيسعون لذلك، لكنهم أبدا «لن يقدروا» على ذلك. تخيل معى أنهم حاولوا منع الموسيقى مثلا، كيف سيتسنى لهم ذلك؟ يسيطرون على المحطات الإذاعية المحلية، ويقطعون شارة البث عن الفضائيات الغنائية، ويشوشون على إرسال الإذاعات الخارجية، والأقمار الصناعية الأخرى، وسيقطعون خدمة الإنترنت تماما، كما سيقطعون خدمات المحمول.. طبعا ستتم الإجراءات السابقة بعد خطوة أهم، وهى مصادرة كل وسائط تشغيل الموسيقى، وكل السيديهات وشرائط الكاسيت على مستوى الجمهورية. هل تتصور بشرا قادرين على ذلك؟ فكر بنفس الطريقة فى السينما، التليفزيون، التصوير، وغيرها من الفنون، لتكتشف أننا فى عصر لن يقوى فيه أى تيار على قمع الفنون أو ترويضها قصرا حسب مزاجه. ربما لا يدرك بعض قادة التيار السلفى هذه الحقيقة، ربما يفركون أيديهم الآن من فرط حماسهم لوضع خطط المنع والحجب.. لكنهم سيكتشفون سريعا جدا أنهم واهمون، وسيدركون أن عليهم احترام «النور» الحقيقى، النور الذى سمح لهم بالظهور أصلا.. نور الحرية.