ليس عجيبا أن يفوز حزب الحرية والعدالة وحزب النور بأغلبية الأصوات فى المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية، ففى الوقت الذى حصر الآخرون فيه تفكيرهم فى المليونيات والجمع، والسعى المسعور لمحاسبة الماضى، وتصفية الحسابات معه، انشغل الإخوان والسلفيون بربح الشارع المصرى، والتفكير فى المستقبل. وعلى الرغم من أن الإخوان المسلمين هم أكثر من دفع الثمن، منذ عشرينيات القرن الماضى، وحتى قيام ثورة يناير، وكانوا دوما كبش الفداء لكل نظام، من أيام الملك فؤاد، وحتى فى أثناء ثورة يناير، فإنهم وحدهم تمسكوا بضبط النفس، عقب سقوط النظام، وهم وحدهم سعوا لتنظيم الصفوف، وبناء خطة الطريق للمستقبل.. حتى فى المليونيات والجُمَع، كان الإخوان يراهنون على الشعب فى مجمله، لا على ميدان التحرير وحده، وهم وحدهم لم ينفعلوا فى تخوين الشعب كله، واتهامه بالسلبية والتقاعس، ولم يشر أحدهم إليه بأنه حزب الكنبة، ولم يصرخوا فيه، أو يعادوه، على عكس الشباب الثائر، الذى ظل يصر على أن الشرعية ليست فى الشعب، ولكنها فى الميدان، فقط لأنهم استطاعوا حشد مليونياتهم فيه، ونسوا أن حزب الكنبة هذا هو الأغلبية، التى تصنع الفارق، فى صناديق الانتخاب. وفى نفس هذا العمود، حذّرت أكثر من مرة، من خطأ هذا، ومن خطأ الإعلام، فى الانحياز المبالغ فيه إلى الثورة، وأشرت إلى ثورة روسيا، التى فاز بها غير من أشعلوها، فقط لأن من أشعلوها رفضوا أن يهدؤوا، واستمرؤوا اللعبة، وأدمنوا التظاهرات والمليونيات.. وكالمعتاد، لم يستمع أحد. وإذا كان الشباب الثائر قد حصر اهتمامه فى مليون أو مليونين، ورفض أن يتعامل مع الشعب كله، قويَّه وضعيفه، فالإخوان والسلفيون كانوا يتقربون من الشعب، فى نفس الوقت، ويشعِرونه أنهم منه وهو منهم، وأنه ليس خانعا أو جاهلا أو مغيّبا، كما وصفه التحرير، فى اندفاع انفعالى، لم يربح معركة واحدة، فى التاريخ كله، ربما لأن شباب التحرير وحدهم رفضوا أن يتخذوا قائدا، يصنع منهم قوة، قادرة على أن تصبح أكبر قوة فى مصر، أو لأن من هبطوا إلى التحرير، باعتبارهم قادة، كانوا مقودين وليسوا قادة، فالقائد هو من يقود الشارع، لا من يقوده الشارعُ، وكلهم تقريبا، انقلب عليهم الشارع، وفقد ثقته فيهم، واحدا بعد الآخر.. وما يحدث فى الانتخابات، بغض النظر عن أى شىء، هو الانتصار الحقيقى للثورة، وليس هزيمة لها، كما يتصوّر البعض، فالثورة نادت بالحرية والديمقراطية، وبأن يحكم الشعب نفسه بنفسه، ويختار مَن يحكمه، وهذا ما حدث.. الشعب اختار ويختار من يحكمه، سواء أكان نظاما ترضاه أو ترفضه.. وما زال لحديثنا بقية.