كنت أحاول أن أساعد أحد المصابين على دخول المستشفى الفرنساوى حين سمعت صديقى المسعف حمدى يقول «على فكرة الأستاذة هبة السويدى هنا من امبارح». كدت أفقد الوعى من هول الصدمة «يا نهار اسود! هبة السويدى تانى! معقول للدرجة دى مافيش أى حاجة اتغيرت؟!». أول مرة سمعت فيها اسم هبة السويدى كانت فى يناير، كنت أدخل المستشفى الفرنساوى فأسمع من يقول «هبة السويدى عالجتنى» وأدخل قصر العينى المنيل أسمع نفس الاسم، ثم أدخل مركز «الحياة» ومركز «العين»، ثم كنت جالسة على الرصيف فى ميدان التحرير بجوار مصاب سألته «إيه أخبارك؟ مين عالج عينيك؟» قال «أنا الحمد لله مش محتاج أى حاجة، أنا شايلانى واحدة اسمها هبة السويدى وشايلة ألف واحد زيى». كان ذلك كله فى يناير وفبراير، حاولت أن أتعرف إليها لأكتب عنها فرفضت. هذه المرة عندما سمعت اسمها قررت أن أتصل بها بأى طريقة، ردت علىّ، قلت لها «إنتى بتعملى نفس اللى بتعمليه كأن مافيش حاجة خالص حصلت، إزاى تقبلى تعملى كده؟ واجهى وارفضى وافضحى كذبهم. بيقولوا الصندوق بيصرف وانتى لسه بتصرفى». رفضت هبة أن تتكلم، قالت «أنا مش هاقدر أعمل تسخين للرأى العام، وفى نفس الوقت مش هاقدر أسيب الناس تموت». دفعت هبة وأصدقاؤها أكثر من مليونى جنيه، عالجوا أكثر من ألفَى مصاب. وكانوا يعتقدون أن مهمتهم الآن أصبحت منحصرة فى العلاج الطبيعى، والتأهيل، واستكمال الأدوية. وبدأت تبحث عن كيفية إقامة نادٍ اجتماعى يلتقون فيه ويتلقون علاجهم الطبيعى، ويتلقون دورات لتأهيلهم وكورسات لتعليمهم. (عدد المصابين بالشلل والذين يتلقون العلاج فى مركز التأهيل بالعجوزة ودار المنى وفى بيوتهم مئات الحالات). الحقيقة أنه بعد 8 أشهر قضتها هبة لا ترى أطفالها ولا تنام وجدت نفسها تبدأ من جديد. وجوه جديدة من المصابين، نوعيات جديدة من الإصابات، بدأت تحتل الأولوية الأولى عند الأستاذة هبة كما يسمونها. منهم من أصيب برصاص فى رأسه واستقرت الرصاصة، وما زال يعيش لكنه فى غيبوبة كاملة، ومنهم من دخلت الرصاصة صدره ومزقت إحدى رئتيه، ومنهم من أصيب بعشرات الشظايا فى كل جزء من جسده ورصاصة واحدة اخترقت القولون. ومنهم من أصابت الرصاصة مثانته. هؤلاء وغيرهم لم أستطع أن أحصى عددهم حتى الآن، جميعا تمر عليهم هبة وتزورهم وتتعرف إلى أسرهم، وتحارب لكى يتلقوا أفضل علاج ممكن، وتنقلهم من مستشفى إلى آخر. الآن بينما أكتب هذه الكلمات تجلس هبة فى استقبال «الفرنساوى» لتنقل حالة من «الدمرداش» اسمه ناصر فاروق أصيب بطلق حى، وما زالت حالته غير مستقرة، لكن فيه أمل لو تلقى عناية أفضل، قررت هبة أن تنقله إلى رعايتها. تعرفت هبة الحالة لأنها أرسلت أحد الذين يعاونونها إلى كل المستشفيات التى استقبلت مصابين، هل كنتم تعرفون أن «الدمرداش» استقبل مصابين؟ أنا شخصيا لم أكن أعرف. هبة عرفت وبحثت عنهم وذهبت إليهم ونقلتهم إلى مكان قد يجدون فيه عناية أفضل. هل عرفتم الآن مَن هبة السويدى؟ رغم رفضها أن تفعل ما أطلبه منها، وإصرارها على أن تعمل فى صمت، رغم رغبتها الحقيقية فى أن تظل مختفية، رغم أنها تعتقد أن دورها الوحيد هو أن تفعل ما تستطيع لكى تساند البشر بإمكانياتها الشخصية وإمكانيات أهلها وأصدقائها، واعتقادى أنا أن دورها الأهم هو فضح كل الأكاذيب التى عشنا فيها طوال الأشهر الماضية. رغم الخلاف بيننا فإننى أعتقد أنها تستحق تمثالاً فى ميدان التحرير كأحد أبطال الثورة المجهولين.