رغم أن مصر المحروسة هى أكبر وأعرق دولة فى المنطقة، ومن أكثر دول العالم جذبا للسياحة، فإنها وللأسف الأسوأ فى الانضباط المرورى، ففوضى المرور فى مصر ليس لها مثيل على الإطلاق، وليس المقصود بهذه الفوضى ما طرأ علينا بعد ثورة 25 يناير وانسحاب الشرطة والانفلات الأمنى. لكن هذه الفوضى المرورية موجودة منذ فترة طويلة حتى أصبحت هى الأمر الواقع، الوصف العادى لمصر الذى يتندر من جميع السائحين الأجانب والمصريين، وطبعا ازداد الوضع سوءا بعد 25 يناير 2011م. فمصر هى البلد الوحيد فى العالم الذى كان ولا يزال به لوحات معدنية بيضاء وأخرى سوداء، وبعضها مكتوب باللغة العربية، وآخر مكتوب باللغة العربية والأجنبية، وهناك لوحات طويلة ولوحات قصيرة، فليس هناك التزام بشكل ثابت للوحات المعدنية، وهناك لوحات للسيارات عليها علامات أو بادجات توضح مهنة صاحب السيارة، سواء ضابطا أو هيئة قضائية.. إلخ. وصاحب السيارة يمكنه وضع اللوحة المعدنية على سيارته فى أى مكان، سواء فى منتصف جسم السيارة أو على الاكصدام من جهة اليمين أو اليسار، ويمكنه أن يضع لوحات أجنبية بجوار اللوحة المصرية، ويمكنه أيضا طمس الأرقام أو ثنى اللوحة المعدنية حتى لا تظهر لرجال المرور. والأكثر من ذلك يمكنك أن تسير دون لوحات معدنية أصلا وتجوب جميع شوارع وميادين القاهرة والمحافظات، ولا تجد من يوقفك، ويمكن للشخص الأجنبى أن يدخل البلاد ويسير بسيارته وعليها اللوحات المعدنية للبلد القادم منه، سواء دولة عربية أو أجنبية.. إلخ، ودون أن يضع اللوحات المعدنية المسلمة له من جمارك الدخول. أما الدراجات البخارية فى مصر فحدث ولا حرج.. فمعظم الدراجات البخارية ليس لها لوحات مرور، بالذات فى الوقت الحالى.. وجميع سائقى الدراجات البخارية ليس لديهم رخص قيادة ولا يلتزمون بوضع الخوذة على الرأس، التى هى لصاحلهم أصلا، كما لا يلتزمون بالعدد المسموح لركوب الموتوسيكل. فمعظم راكبى الدراجات البخارية يحملون عليها ثلاثة أو أربعة أشخاص، وبعض الأشخاص يحمل أسرته بالكامل، المكونة من زوجته وأولاده جميعا، ومنهم الرضيع على الموتوسيكل دون أى اكتراث بالأخطار التى يمكن أن تواجههم. أما الالتزام بإشارات المرور فهذا أمر مستحيل فى مصر، ويمكن أن يتعرض السائق الملتزم بالإشارة للسب من السيارة التى خلفه، ولا أتكلم عن سائقى الميكروباصات الذين لا يعرفون أصلا بالإشارات ولا بالقيادة ولا بالأدب فى الطريق، لكن أتحدث عن معظم السائقين لجميع المركبات، بالإضافة إلى أن القيادة فى عكس الاتجاه -رغم وجود علامات إرشادية بذلك- أصبحت موضوعا عاديا جدا. مهزلة اللوحات المعدنية الجديدة أما اللوحات المعدنية الغامضة التى اخترعتها إدارة المرور، وتكسّب منها وزير الداخلية السابق ومعاونوه، وقُدموا إلى المحاكمة بسببها، فهى مهزلة بكل المقاييس. وقصة هذه اللوحات المعدنية بدأت منذ عام 1996 عندما تقدمت شركة «أوتشى» الألمانية، ومقرها مدينة سيجن، بعرض إلى إدارة المرور فى مصر. لتصنيع اللوحات المعدنية للسيارات بالمقاسات العالمية، على أن تشمل اللوحة أرقاما وحروفا باللغة العربية والأجنبية، تسهل التقاطها مع تحديد المحافظة التى تتبع لها السيارة، على أن يتم تصنيع هذه اللوحات فى مصر، لكن وزارة الداخلية فى ذلك الوقت رفضت العرض الألمانى دون إبداء سبب. وفى عام 2007، أى بعد مرور أكثر من أحد عشر عاما وتغيير قيادات المرور بوزارة الداخلية، أعيد الاتصال بالشركة الألمانية لإحياء هذا المشروع مرة أخرى، وطرح اللوحات الجديدة على الجمهور بأسعار أعلى من المتفق عليها، بغرض العمولات والتربح. وبدأت وزارة الداخلية فى أول الأمر استيراد هذه اللوحات من ألمانيا، مكتوبة فيها الحروف والأرقام باللغة العربية والأجنبية، ولتسهيل الأمور على الشركة الألمانية، كتب عليها كلمة مصر باللغة العربية فى اليمين وباللغة الإنجليزية فى اليسار، ولم تكتب المحافظات كالمتفق عليه، مع عمل ألوان لنوع السيارة إذا كانت خاصة أو نقل أو سياحة أو هيئة سياسية أو أجرة.. إلخ. وبدأ طرح وتركيب هذه اللوحات الجديدة فى أغسطس 2008، وبعد نفاد اللوحات المستوردة، تم تصنيعها فى مصر مع كتابة الأرقام والحروف باللغة العربية فقط، ولا عزاء للأجانب، وبدأ توزيع هذه اللوحات المعدنية الجديدة اعتبارا من يناير 2010. وأنا أتحدى أى شخص بالمرور، سواء ضابطا أو أمين شرطة أو جنديا، أن يعرف معنى الحروف المكتوبة على لوحات السيارات فى مصر، وأن يحدد المحافظة القادمة منها، فهى لوحات غامضة وكلمة مصر المكتوبة على اللوحات المعدنية ليس لها مثيل فى أى من دول العالم، وليس لها أى فائدة، حيث إن السيارة مهما كان نوعها لن تغادر مصر، ووضع العلم فى وسط اللوحة بين اسم المحافظة بالعربية والإنجليزية كافيا لمعرفة البلد. فأصبح حاليا من الصعب عند حدوث أى حادثة أو مخالفة مرورية وهروب السيارة معرفة اسم صاحبها أو المحافظة القادمة منها السيارة وتضيع معالم الجريمة.. كما أن الشخص الأجنبى سواء مقيما أو سائحا لا يمكنه التقاط رقم السيارة المخالفة، التى يريد الإبلاغ عنها فى حالة الضرورة. إن الموضوع يا سادة خطير ومضحك فى نفس الوقت، واختراع مصرى لا نظير له، ويجب تعديل اللوحات وتصحيح الأوضاع مع الحكومة الجديدة.