لا تحلموا بعالم سعيد، فخلف كل قيصر «يخلع»، قيصر جديد. المجلس العسكرى ما زال يسير على خطى مبارك، الذى تربى فى كنفه، بالمسطرة، رئيس وزراء من عهد مبارك، ومظاهرة لتأييده من أنصار مبارك أيضا. لا تحلموا بمجلس عسكرى يأخذ قرارات ثورية أو يحل الأزمات بطريقة حاسمة، فالعسكرى قرر أن يحل أزمة حكومة الإنقاذ الوطنى بأن جاء بكمال الجنزورى رئيسا للوزراء من على الرف الذى تركه مبارك، رافضا أن يأتى بالبرادعى الذى طلب صلاحيات «رئيس وزراء» حقيقية، لا أن يكون مجرد «سكرتارية» للمجلس. المجلس العسكرى ما زال يسير على خطى مبارك، ليس فى قتل المتظاهرين، أو اختيار وزراء مبارك رؤساء لوزاراته فحسب، وإنما فى حشد أنصاره، ليعلن أن له مؤيدين، لكنه قرر أمس أن ينقلهم من ميدان مصطفى محمود إلى ميدان العباسية، بما يحمله ذلك من معان، ربما لقربه من المنشآت العسكرية، التى تواجهها عددا من المبانى الحكومية، منها على سبيل المثال لا الحصر، مستشفى العباسية للأمراض النفسية. المفارقة التى تؤكد أن المجلس العسكرى يسير على خطى مبارك، هى أن من كانوا يؤيدون مبارك، أصبحوا يؤيدون «العسكرى» الآن بدلا منه، ف«نزلاء» ميدان العباسية أمس، الذين رفعوا شعارات «إحنا آسفين يا عسكرى»، لم يختلفوا كثيرا فى عددهم الضئيل عن الذين رفعوا قبلهم. شعارات «إحنا آسفين يا ريس»، هى نفس الوجوه التى كانت تدين بالولاء لمبارك، ولكنهم قرروا هذه المرة أن ينقلوا أماكن وجودهم من «شقة واحد صاحبهم»، ومن ميدان مصطفى محمود إلى ميدان العباسية، صغير المساحة، الذى لا يصل حتى إلى نسبة 5 فى المئة من مساحة ميدان التحرير. هذه المساحة الصغيرة، والعدد الضئيل «لمرضى» الحكم العسكرى، فى «العباسية»، لم تشفع للتليفزيون المصرى حتى يقول الحقيقة هذه المرة أيضا، بل أصر على مواصلة انحنائه لمن يملك، وتزييفه للحقيقة، حيث قسم الشاشة إلى نصفين، نصف للتحرير بدت فيه الصورة بعيدة غير واضحة المعالم، ونصف للعباسية، قامت الكاميرات بتقريبه، حتى يبدو عدد مريدى «العسكرى»، كبيرا وواضحا ومهولا. الأمر لم ينته عند الصورة التى ينقلها التليفزيون المصرى، فالمتحدثون والمراسلون، ظلوا يتحدثون عمن فى العباسية، وكأنهم صوت العقل، الذى يريد الاستقرار، وهو ما يستدعى إلى الأذهان أوبريت العقلاء، فى فيلم إسماعيل ياسين الشهير، الذى يقول «وسعوا من وش العقلاء». ورغم العدد الضئيل لمحبى «العسكرى»، فى العباسية، فقد تردد، أن عددا كبيرا منهم، ما هم إلا بعض الجنود والمتقاعدين من العسكر الذين يرتدون زيا مدنيا، الذين يسكنون، بالمناسبة أيضا، فى عمارات «الجيش»، القريبة من العباسية، وهو ما يذكر بما يفعلونه أيضا فى مباريات طلائع الجيش، التى يرتدى فيها الجنود، ملابس مدنية، ويجلسون فى المدرجات لتشجيع «زملائهم». المشهد الذى بدت عليه مصر أمس، فى ميدانى التحرير، والعباسية، وأصر التليفزيون المصرى على تأكيده، يؤكد أن مصر تسير إلى انقسام، بدأه المشير طنطاوى حين أكد فى خطابه أنه قد يدعو إلى استفتاء حتى يرحل عن الحكم، واكتمل المشهد أمس بانقسام مصر إلى فريقين، واحد فى «التحرير»، والثانى فى «العباسية». وربما يكون لكل ميدان نصيب من اسمه.