لم يتغير المشهد كثيرا فى ميدان التحرير، حتى ظهر أمس (الخميس). الاشتباكات الدائرة بين قوات الأمن والمتظاهرين فى شارع محمد محمود كانت مستمرة، إلا أن قوات الجيش قامت بوضع أحجار خرسانية بعرض الشارع، للحيلولة بين قوات الأمن والمتظاهرين، وتجنبا لتجدد الاشتباكات مرة أخرى، وهى الاشتباكات التى تتجدد رغم الهدنة التى تقام فى اليوم الواحد مرات عدة، ويتبادل المتظاهرون وقوات الأمن اتهامات بخرقها. قوات الجيش أغلقت عدة شوارع مؤدية إلى وزارة الداخلية بالأسلاك الشائكة، مثل الشيخ ريحان وميدان لاظوغلى، بينما قام عدد من الشباب بعمل دروع بشرية أمام قوات الجيش، تحسبا لحدوث مواجهات ومصادمات بين المتظاهرين والجيش. حركة 6 أبريل، لا تزال هى الأخرى، تؤكد الدعوة إلى مليونية اليوم (الجمعة) تحت شعار «حق الشهيد»، للمطالبة بإجراء تحقيق عاجل وفورى فى الأحداث المشتعلة طيلة الأيام الماضية والتى أدت إلى سقوط عشرات الشهداء، ومئات الجرحى. الحركة، وحسب محمود عفيفى المتحدث الرسمى باسمها، ترفض جملة وتفصيلا أى بيانات صادرة عن المجلس العسكرى، وتؤكد مطلبها الرئيسى برحيل المجلس عن السلطة وتسليمها إلى مجلس رئاسى مدنى، والإسراع فى تشكيل حكومة إنقاذ وطنى. فى السياق ذاته أعلنت 60 حركة سياسية وشخصية عامة، فى بيان وزِّع مساء أمس فى الميدان، عن رفضها اعتذار المجلس عن الأحداث الدامية، التى شهدها التحرير، مطالبة بسرعة إجراء تحقيق عاجل وفورى فى الأحداث، وتقديم القيادات الأمنية المتورطة كافة إلى محاكمة عاجلة وفورية. الموقعون على البيان ومنهم جورج إسحاق وجمال زهران وسعد هجرس وبثينة كامل وعدد آخر من الحركات أبرزها «شباب من أجل العدالة والحرية» و«6 أبريل» واللجان الشعبية للدفاع عن الثورة، طالبوا كذلك بسرعة تشكيل حكومة إنقاذ وطنى، تضم عددا من الرموز السياسية والوطنية وتحديد جدول زمنى لرحيل المجلس العسكرى عن السلطة. من ناحية أخرى، لا تكاد الهدنة بين الثوار وميليشيات الداخلية تبدأ حتى تنتهى من جديد، كل محاولات التهدئة التى تبدأ بين الجانبين تنتهى على الفور، وتعود سيارات الإسعاف مرة أخرى لنقل المصابين إلى المستشفيات الميدانية المنتشرة فى الميدان. الهدنة الأولى التى قام بها الشيخ مظهر شاهين، ومعه مجموعة من الشباب، انتهت بقيام ضباط الداخلية بالتقدم بسياراتهم باتجاه الميدان، مما دفع الشباب للرد عليهم بالحجارة لمنعهم من التقدم، فهم، بالقطع، لا يثقون بنية الداخلية، ويعرفون أن نيتها الوحيدة هى فض الاعتصام، مثلما حاولت أن تفعل ذلك، الأحد الماضى، بمعاونة من الشرطة العسكرية. الهدنة الثانية أشرف عليها مجموعة من دعاة الأزهر، واستمرت ما يقرب من ساعتين، حيث اتفق الدعاة مع ضباط القوات المسلحة على عودة قوات الأمن المركزى إلى الوزارة، وفى المقابل يتراجع الشباب إلى أول الميدان، وهو ما تحقق بالفعل، وقام المشايخ بمعاونة مجموعة من الشباب بعمل حائط بشرى، لمنع تقدم أى من الثوار باتجاه قوات الشرطة، ووقعت المفاجأة فى أثناء قيام الدعاة والشباب بصلاة المغرب، فالشرطة، التى لا تعرف الرحمة، أمطرتهم بوابل من قنابل الغاز، مما أدى إلى إصابات كثيرة بين الدعاة أنفسهم، وطبعا عادت المواجهات مرة أخرى، وكانت الداخلية هى البادى والأظلم، وبين تلك الهدنة وهذه، ما يمكن أن نسميه «الهدنة الإجبارية»، التى تقع بين الطرفين من دون أى اتفاق، بسبب الإعياء الشديد الذى يتعرض له الطرفان، نتيجة كثرة المواجهات، واستمرارها لمدة طويلة، وفى الغالب لا تستمر تلك الهدنة أكثر من ساعة واحدة، ويعود بعدها الاشتباك مرة أخرى. شباب التحرير يؤكدون كذب مزاعم الداخلية بأنهم يريدون اقتحام الوزارة، لسبب بسيط، وهو أن هناك عدة طرق أخرى إلى الوزارة، بخلاف شارع محمد محمود، أهمها وأقربها شارع الشيخ ريحان الخالى من شباب الثوار. شبح الملازم محمود الشناوى المتهم بإطلاق الخرطوش على أعين الثوار يظهر فى شارع محمد محمود، حيث يؤكد الثوار أنهم يرونه فى الاشتباكات، وحتى الآن، لم تقم وزارة الداخلية بإصدار بيان يؤكد وقفه عن العمل وتحويله إلى التحقيق، كما لم يصدر النائب العام بيانا بتحويله إلى المحاكمة، وهو أحد أهم أسباب خرق الهدنة بين الطرفين. ولكن كيف قابل ثوار التحرير خطاب عضوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مختار المُلّا ومدوح شاهين؟ قابلوه بالهتاف «يسقط يسقط حكم العسكر»، و«يا شاهين وانت يا ملّا.. بكرة نكسر وراكو قلة» مؤكدين أن الخطاب مماطلة جديدة من المجلس العسكرى، للالتفاف على مطالبهم، مؤكدين أنهم لن ينهوا اعتصامهم إلا بعد تشكيل حكومة إنقاذ وطنى، لها صلاحيات كاملة تدير شؤون البلاد، متهكمين على فكرة اعتذار «العسكرى» عن سقوط الشهداء، فى الوقت الذى يسقط فيه شهداء إلى الآن، وقالوا إن الاعتذار الحقيقى يكون عبر تقديم قتلة الشباب إلى المحاكمة العاجلة والفورية. وحتى مثول الجريدة للطبع، انضم عشرات الآلاف إلى المعتصمين، للتجهيز لمليونية «الفرصة الأخيرة»، وأكد الشباب أنها ستكون جمعة غضب جديدة لدماء الشهداء، ولوضع الثورة فى طريقها الصحيح، ووضعوا على مداخل الميدان لافتة كبيرة كتبوا عليها «شروط الاعتصام فى التحرير: لا توجد منصات لأحد، لا توجد أعلام ولافتات حزبية، أهداف الميدان واحدة ومنصاته واحدة، يسقط يسقط حكم العسكر».