المشهد السياسى الآن يؤكد الضبابية وعدم الشفافية، بل وانعدام المصداقية.. الجميع يناورون ويدلون بالتصريحات ويسطرون البيانات ويظهرون على شاشات الفضائيات، وكأنهم الفرسان مع أن هناك من يفرون ويكرون، وكأن مصرنا الغالية فى حالة حرب ضروس لقتل الأنفس والنفوس! والسؤال: من تسبب فى تلك المساخر والمهازل التى تؤكد بالفعل أن هناك أيادى خفية وأيادى ظاهرة تريد أن تحرق الفضائل الثورية وتشوه من جلال الهمة والانتفاضة المصرية.. من أيها السادة الذى يرضى بالقتل الدامى والخراب المتنامى؟ من يا سادة يريد أن يهيمن ويسيطر على الأمور لإدخال الشعب المصرى فى الجحور وما زال يلف ويدور!! ومنذ متى أيها السادة نسمح بتشويه الفضائل العسكرية والحط من قدر العسكرية والجندية المصرية؟ وعودة للماضى ومنذ أيام الثورى أحمد عرابى الذى ثار وانتفض ضد الخديو توفيق، وتحداه وهو ممتطيا جواده فى ساحة قصر عابدين، وقال مقولته الشهيرة لسنا تراثا أو عقارًا ولن نورث بعد اليوم!! يومها تآمرت عليه كل القوى، ولكن كان الشعب المصرى بسادته وفلاحيه يؤيدونه ويساندونه، وتم اعتقاله فى قشلاق قصر النيل.. وتم فك أسره وانطلق مع جنوده البواسل، ولكن كانت الهزيمة فى التل الكبير بسبب الخداع والخيانة، فانطلقت الأكاذيب ضده وأشاعوا أن ما أقدم عليه عرابى هو «هوجة» وترددت بسخرية جملة.. «هوجة عرابى»!! مع أنها لم تكن هوجة ولكنها موجة عاتية ضد غدر الحكام وألاعيب المحتل الإنجليزى الجبان!! هذا الكلام للتذكرة حتى لا تكون الأوضاع الآن «منفرة»، وهناك مثل شعبى شهير، وهو حلاوة اللسان وقرصة الثعبان، وما نسمعه ونشاهده الآن من تداعيات يؤكد أمام شهود «العيان» أن هناك مؤامرة داخلية وخارجية لتركيع «مصر» وإشاعة الفوضى الخلاقة من خلال الدعوة إلى المظاهرات والمليونيات ونصب المنصات ليصعد عليها دعاة الاحتجاج المقصود، دون أن يكون له المردود، فتشيع أجواء الضباب والغيوم، فنتقاتل بالكلام، وتحدث المشاحنات ويتم استغلال اسم «الثورة» لتتحول بالفعل إلى «عورة»!! وعليه من يزكى ما يحدث الآن بين الشرطة والشعب وبين المجلس العسكرى والأطياف السياسية والدينية والسلفية؟ من يضع السم فى العسل لكى يتذوقه كل ثورى حر فنفاجأ بأنه تجرع «السم» القاتل والمر، فتلتهب المشاعر وتحدث المجازر! وهذا ما نراه الآن.. احتكاكات دامية ومظاهرات صاخبة وتراشق بالنار وطعنات بالأجساد، فيسقط القتلى والمصابون وتسيل الدماء، وتكثر الإصابات فى خضم التجمعات والمظاهرات وتستمر الاعتصامات ويقف الساسة ليتشدقوا بالكلام، ويستعرض المتشددون صرخات الألم والأنين وباسم «الدين» الذى هو براء مما يفعلون لأن هناك من يريد أن يركب «الموجة» وبأى ثمن حتى لو تم استعراض القوة الانتخابية من خلال جماعة أو حزب أو تنظيم، مع أن الله بالسر «عليم»!! وبالقياس على ما يحدث وحدث فى ميدان التحرير يؤكد وبالدليل وجود أمر خطير لا يحتاج إلى تنبيه أو تحذير، وهذا هو «النذير» الذى أكد الانفلات الخطير وقبل بدء الانتخابات التشريعية التى رأى البعض أنه من خلالها سيكون بلا وضع أو أهمية، ورأى البعض الآخر أنها ستكون الملاذ الأخير لإثبات التواجد والوجود بعد سبق الإخفاء فى الأخدود لسنوات كئيبة ومريرة أشاعت جوا من الترقب والحيرة وأيام السجون والمعتقلات المريرة!! ولن نبعد كثيرًا فلنتذكر أحداث عام 1954 وما جرى بين قادة الضباط الأحرار وقيادات تنظيم «الإخوان»، كانت هناك حلاوة اللسان.. ثم انقلب الحال وتعرض «الإخوان» لقرصة الثعبان بعد وضوح الرؤية فى الركوب على «الثورة» وفرض الشروط والأوامر لدور كبير أداه الكثيرون، فكان لا بد من المطالبة بأى مكسب وبشرط أن يكون «كبيرا»، ولكن كان هناك التفكير واتخاذ القرار «الخطير» بالسجن والاعتقال وحل «الجماعة» كمان!! والوضع الآن يختلف والمفترض أن يفكر العقلاء فى مستقبل مصر لكى ننهض بها لنمشى على طريق يؤدى إلى النصر.. طريق نرفع فيه «الرايات» ودون تشنجات لتحقيق المكاسب والانتصارات وبعيدا عن الانقسامات.. ولكن الآن كل من هب ودب يتمسح فى الثورية والوطنية وبطريقة فردية، وللأسف يتناسى من نطلق عليهم الأطياف السياسية بأن هناك الجموع من الشعب المصرى وبالملايين يرفضون مهازل السياسيين والحزبيين ومن أسبغوا على أنفسهم أنهم الوحيدون «الثوار» وغيرهم جموع من «الطرشان»!! لا يا سادة.. الشعب المصرى هو الذكى وليس بالشعب الغبى! والشعب المصرى هو «العزيز» لأنه شعب عزيز ولا يقبل الفرقة أو التمييز.. والشعب المصرى لا ينخدع فى ما تبثه بعض الفضائيات التى تستضيف بعض السياسيين والنشطاء ليستعرضوا الرؤى والأفكار ويشحنوا النفوس بلهيب النار ويا للعار عندما تستضيف أى قناة «فضائية» أصحاب العاهات السياسية والأمراض الحزبية الذين يدعون الفضيلة مع أنهم بالفعل «الرذيلة»! بل يستضيفون بعض الكتاب والصحفيين وكأنهم وحدهم «المنظرين»!! والغريب أن هناك منهم من يتنقل بين أكثر من فضائية وفى اليوم الواحد حتى مللنا من ظهورهم لأن القائمين على هذه الفضائيات لا هم لهم إلا حشو فترات الإرسال بحوارات وأحاديث «مملة» وسقيمة تبرهن على أن العقول غير مستقيمة!! يا سادة نريد فضائيات للوعى لا للرغى.. فضائيات ترسخ الفضائل القومية والوطنية ولا تجسد بيننا الانهزامية!