أصبح الوقوف على باب المشرحة طقسا شبه معتاد وشاهد إثبات على حجم وهول ما قدمه أمن دولة المخلوع وأمن وطنهم! من مهانة واستهانة بآدمية المصرى الفقير العارى الظهر المكبل بالفقر والمرض والعوز وقلة الحيلة، والأهم والأخطر والمرعب أنه أصبح شاهدا على أن الثورة ما زالت مولودا لم يكتمل نموه، وأنها فى حضانة لا يتوافر لها الأمان اللازم، فمنذ خالد سعيد ومن قبله المئات ممن لم يمكنهم حظهم العثر فى الحياة الدنيا والممات من أن يعرف أحد بكيفية وفاتهم وحتى قتيل سجن طرة عصام عطا، ما زال الهبوط الحاد فى الدورة الدموية وبلع اللفافة إياها! هما الخروج الآمن من مأزق المساءلة والمحاسبة، وهما أسلوب ومنهج يعكسان فى حقيقة الأمر حالة مرعبة من الاستخفاف بعقول البشر، فلم تعد هناك حاجة لتأكيد أن مقاومة إنجاح الثورة شديدة الشراسة، وليس لهؤلاء الذين يقاومونها أى مانع من استخدام أحط الوسائل للإجهاز على هذه الثورة، لأنهم ببساطة يدافعون ويحمون حياتهم التى برتعوا فيها وتمطعوا على حساب وطن بقامة مصر، فكانوا الخصم والحكم والبائع والمشترى واللص والحارس فى آن واحد، فكيف نطلب منهم أن يستسلموا طواعية، خصوصا أن المناخ ما زال مهيئا لألاعيبهم القذرة ومحاسبتهم متميعة تسد فى وجوههم بابا لتفتح لهم من الخلف ألف باب وتترك ثغرة هنا وجسرا هناك لينفذوا منها، إن من تابع رصد نوارة نجم، وأجدع صحفية فى مصر والصلبة العنيدة بحق وللحق نجلاء بدير، والأديبة الجريئة والفاعلة أهداف سويف، وكذلك الشهادة الأخطر للدكتورة الشجاعة المقاتلة عايدة سيف الدولة، بعد معاينتها جثة قتيل سجن طرة الشاب عصام عطا ذى الثلاثة والعشرين عاما!! يدرك حجم التحدى الداخلى قبل الخارجى لكى لا ينهض هذا البلد أو تقوم له قائمة، فشهادة د.عايدة على الإهمال والتردى وانعدام الضمير وممارسة التزوير على أقبح وجه يجعل ستارة من الظلام واليأس تنسدل على مساحة كبيرة من الآمال والحلم بأن تتعافى مصر وتنهض، كنا بالأمس القريب نمارس ونعايش اليأس والإحباط باعتباره نمطا معتادا وجزءا من حياتنا اليومية، وكان الصراخ المسموع والمكتوم هو اللغة التى طغت على الكلام العادى، وكان الإهمال والاستهبال والتجاهل هو رد الفعل المعتاد أيضا، حتى زُلزلت الأرض بثورة هزت الدنيا وجعلت مصر كلها تعود مثلا ومثالا، فما الذى حدث؟ هل ماتت الثورة مع شهدائها أم أن ملايين مبارك وأهله وصحبه أقوى من الملايين التى خرجت إلى الميادين بصدور عارية تتصدى للرصاص الحى وتهتف بلسان واحد «ارحل.. ارحل»، نعم رحل مبارك، ولكن على كفوف الراحة! وكأن من حملوه من فوق كرسيه قد أقسموا له بالولاء لنظامه! أقسموا أن يؤدبونا وأن يجعلوا من خرجوا لأول مرة يندمون على فعلتهم فتكون الأولى والأخيرة! كان الشاب عصام يحلم مع مولد الثورة بمستقبل مختلف بوطن يقدر معنى العدالة ويحترم أبناءه، بعمل وبيت وولد، بسويعات من الاسترخاء بين يدى أمه، بأن يكون سندا لأب شاخت أيامه قبل الأوان مع جيل، بل أجيال بأكملها قض مضجعها مبارك بل سرقها من أجل أن يضطجع هو على أنفاسنا! لم يخطر بباله لحظة أن تكون نهايته فى المشرحة ومعه اللفافة، ربما تمنى أن يختاره الله سبحانه وتعالى إلى جواره شهيدا من شهداء الثورة لكنه بالتأكيد لم يتصور ولو للحظة أنه سيكون قتيلا لا شهيدا فى سجن طرة! أسئلة عديدة تطرح على المجلس العسكرى ولا من مجيب، كنا قبل الثورة ندرك من يتآمر علينا، أما اليوم فالتنكيل بالمصريين تفرق بين قبائل سياسات المجلس العسكرى والفلول الذين ظهروا فجأة ودون سابق إنذار على سطح الأحداث يمارسون صنوفا مبتكرة من البلطجة السياسية باللحى وأموال البترول ويلعبون على الجهل والأوجاع ويحتكرون الوطنية والدين. الجبهات تنفتح من كل اتجاه، من الجامع والكنيسة وطرة والمحاكم العسكرية ولم يبق الدور إلا على المهمشين فى جحور النسيان يخرجون من الشقوق والقبور يأخذون حقهم بالذراع، فهل حان وقتهم أم أن شيئا من المسؤولية يجعل الجميع يقف بحزم أمام هذه المهازل المتكررة وعلينا وعلى أعدائنا؟!