عندما تبرّعنا بدمنا فى السبعينيات، أخبرونا أنه لا يمكننا التبرّع مرة أخرى، قبل شهرين كاملين وسمعنا كلنا هذا، ولكننا لم نطق الانتظار لشهرين كاملين، قبل أن نتبرع بدمنا مرة أخرى، ولم نتخيَّل أن المصابين من أبطالنا يمكنهم أن ينتظروا شهرين كاملين، لذا فقد انتهزنا فرصة قدوم حملة تبرع بالدم إلى نادى طنطا (مدينتى)، فهرعنا كلنا، بلا استثناء تقريبا، لنتبرع بنصف لتر آخر، وكذبنا كلنا أيضا عندما سألونا عما إذا كنا قد تبرعنا بالدم من قبل أم لا، وعندما أخبرت والدتى، كادت تصاب بأزمة قلبية، وعنفتنى بشدة على تبرعى بالدم مرتين فى أسبوعين متتاليين، ونمت يومها بعمق لثلاث ساعات، وفى المساء، كنت مع كل الأصدقاء فى النادى نتابع أخبار الحرب فى شغف... من يومها تعلَّمت أن التبرع بالدم ليس منهِكا أو مهلِكا كما يتصوَّر العامة، ولكنه يحتاج إلى ضوابط، حرصا على صحة المتبرع، فالأسبوعان يجب أن يصبحا أربعة أو ستة أشهر، أو حتى سنة... وهذا ما أدعوكم إليه.. فنحن شعب قوامه يزيد على الثمانين مليونا من المواطنين، وستون فى المئة منه من الشباب، أى ما يقرب من ثمانية وأربعين مليونا.. تخيَّلوا لو أن كل الأصحاء من الشباب، (وكل ما ننشده هو عُشرهم فقط) قد تبرَّع بنصف لتر من دمه سنويا.. فى هذه الحالة ستحصل بنوك الدم على ما يقرب من مليونى لتر دم، من مختلف الفصائل فى العام، وسينتعش بهذه الدماء أطفال أبرياء، يعانون من أمراض الدم، ومرضى فشل كلوى مصابون بأنيميا حادة، ومصابو حوادث، وجنود، وحتى الشباب أنفسهم، لو أصابهم مكروه، لا قدر الله، أو أصاب أحد أفراد أسرتهم... فلماذا لا يفكر الشباب، ونفكِّر كلنا فى الأمر بجدية إذن؟ نفكِّر فى أن يختار كل منا يوما، يرى أنه أفضل أيام السنة، ويتبرَّع فيه مرة واحدة بنصف لتر من دمه، ويعتبر هذا زكاة عن كل ما حصل عليه من نعم الخالق عز وجل طوال العام، وهى نِعمٌ لا تعد ولا تحصى؟! وكل بنوك الدم لن تحصل على قطرة واحدة من مواطن، قبل أن تتيقَّن من أن صحته تحتمل هذا، وأنه قادر على التبرع، ولن يصيبه أدنى مكروه من جراء هذا، وليس مصابا بما يمكن أن يؤذى من سيحصل على هذا الدم.. نصف لتر فقط من الدم كل عام، يمنحك الصحة، ولا يخصم منك شيئا.. أهذا كثير؟! ولنا بقية.