يعنى إيه حُكم ديني؟ الحكم الدينى هو قمة اختلاط الدين بالسياسة، الحكم الدينى هو أن يتّبع الحاكم منهج الدين فى حُكم البلاد.. تاريخ الحُكم الدينى طويل فى الدُنيا، مِن عُمر البشرية نَفسَها؛ من الفرعون الإله عند قدماء المصريين، للإمبراطور اللى بيَرأس المؤسسة الدينية عند الرومان والإغريق، مرورًا بالدور الكبير جِدًّا اللى لعبته الكنيسة فى تشكيل العالم كما نعرِفُه بعلاقتها الوثيقة بالحُكم، ووصولا الى الخلافة الإسلامية اللى كان فيها حاكم المسلمين هو أيضًا خليفتهم.. أوّل سؤال بيَقفز الى ذِهنى لمّا مسألة الدولة الدينية بتُذكَر هو: طَب ولو الدولة اللى بنِتكَلّم عليها دى نُص سُكّانها بيَتَديّنوا بدين والنُص التانى بيَتَديّنوا بدين تانى، يبنوا دولتهم الدينية على أنهى دين فيهم؟ طَب هل لو فيه أغلبية المُشكِلة بتتحَل؟ وبتتحَل لصالِح مين؟ ولو اتبنت الدولة فعلًا على دين الأغلبية وبعد 200 سنة الأغلبية دى هاجر أغلَبهُم والميزان اتقلب، تُبنَى الدَولة من الأول على الديمُغرافيا الجديدة؟ ولّا يقسّموا الدولة بينهُم ويعملوها اتنين؟.. طَب ولو فيه تلات ديانات فى الدولة دي؟ طَب لو فيه خَمسَة؟.. المسألة باين جِدًّا انّها مليئة بالأفخاخ من أوّلها كِده عَلَطول.. واللى مش شايف الأفخاخ يبقى مافَكّرش فيها كويس؛ لازم التَصَوُّر العَمَلى الحميد لوَضع زى دَه يبقى عَندُه على الأقل مُحاولات للإجابة على كُل الأسئلة اللى مُمكِن تُطرَح.. فيه ناس كتير فى الدُنيا وخصوصًا من الشعوب المُتَديِّنة وخصوصا من المُسلمين فى الوقت الحالى عايزين يعيشوا فى دولة دينية عشان مُقتَنعين ان رَبّنا عايزنا نعيش فى دولة بيَحكُمها الدين، وان المُسلِم مثلًا لازم يعيش تحت مَظَلِّة حُكم إسلامية.. وبخصوص النُقطة دى عايز أقول انُّه ببساطة لو مافيش ولا دَولة فى العالَم بتُعلِن نفسها «إسلامية» (على سبيل المثال) بَرضُه حيِفضَل فيه مُسلمين، وفى كُل حِتَّة فى الدُنيا.. الإسلام ديانة زَيّها زى بقية الدِيانات مُمكن تعيش فى أى مكان تَحت أى ظروف، لإنّها بتعيش فى صدور من يَعتَنقوها.. عايز دلوقتى أبدأ أتكلِّم خصوصًا عن تصوُّر الدَولة الدينية الإسلامية عشان مايفضَلش الكلام عام كِده لإنُّه حيحتاج كتاب لوَحدُه لو كان.. أولا فى العالم النهارده 3 أنواع من الدول الإسلامية (عندها أغلبية مُسلمة). النوع الأول هِيَ دُوَل أعلنت نفسها علمانية زي: تركيا ( %98 مسلمين) مالى (92.5 %) وكازاخستان(56.4 %). النوع التانى هى دوَل التشريع بتاعها مُكَوّن من تشريعات إسلامية وتشريعات أخرى مَدَنيّة زي: مصر وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا والمغرب ونيجيريا والسودان. وأخيرًا النوع التالت اللى هو زى السعودية؛ بلد كل التشريع بتاعها جاى من الشريعة الإسلامية، وإيران اللى عندها نفس الحالة بس بيزيد عليها ان عندها برلمان ديمُقراطى وأيضا بيشتغل تحت مظلّة تشريعية إسلامية. مُشجّعى الحكم الدينى الإسلامى (العقلانيين منهُم اللى عايزينُه عشان مؤمنين بيه مش عشان مُتَعَصّبين ليه؛ لإن المُتَعَصّبين انا ولا حَعْرَف أكلِّمهُم ولا عايز أتكلّم عنهُم).. بيَستَنِدوا هؤلاء الى مسألتين أساسيتين وراء هذا التشجيع؛ أوّلهم إن الشريعة (يعنى التشريع الدينى الإسلامي) هى نظام عادل فى الحُكم لإنه بيستند الى الدين، والدين عادل بطبعه، وبما إن العدل هو أهم ما يصبو اليه البنى آدم، يبقى الحكم الدينى عمومًا كده حاجة كويسة.. المَسند التانى هو إن الحكم الدينى يُفتَرَض انُّه بيِخلق أرضية دينية بيُبنى عليها المُجتمع؛ فالأخلاق بتَتَحسّن والفساد بيقِل (ويدّعى البعض أنّه قد يختفي)، والمبادئ الدينية عمومًا بتنتشر فبيَعتَقِدوا انّ ده مُمكِن يُصلِح الضمير الجمعى العام.. ممكن يكون ده نظريًا كلام سليم فعلًا، بس تعالوا عمليًا بَقَه نتكلم عن تفاصيل المشاكل اللى بيواجهها الحكم الدينى من وجهة نظرى، خصوصا فى هذه الحقبة من تاريخ البشرية.. أوّلًا: إنّ من يطالبون بالحُكم الدينى يطالبون أيضًا بالديمقراطية، أمّال حيحصلوا عليه إزاي!؟ عايزين انتخابات حرة نزيهة يدّوا فيها أصواتهم لممثل من التيار السياسى الدينى ولمّا يكسب الانتخابات يَحكم بما أمر الله. طيب، أوّل مشكلة بتظهر فى الأفق هى إن الحاكم بأمر الدين بشكل عام جِدًّا ماينفعش يشتغل فى مناخ ديمقراطى أصلًا، ليه؟ عشان الديمقراطية فكرة أساسًا مبنية على إن القرار مايبقاش فى إيد حد بعينه، الديمُقراطية مبنية على التَعَدّد وتداوُل السُلطة، الديمقراطية بتستلزِم وجود مُعارضة؛ بس الحاكم الدينى لإنه ملتصق بالدين وبالمنهج الدينى بيتحول الى نوع من أنواع الخليفة؛ فمبدئيا ولا فيه تَعَدُّد ولا تداوُل ولا أحزاب حقيقية مناهِجها وطريقتها مُختلفة، ولا فيه مُعارضة طبعًا؛ لإن الإعتراض على حُكم من يَحكم «بما يرى إنُّه حُكم الدين» سهل جِدًّا يفَسّر على إنُّه إعتراض على حُكم الدين نفسُه! ولمّا يِحصل كده بتنتفى فكرة الديمقراطية من بابها، اللى هى زى ما اتفقنا الطريقة الشرعية السِلمية الوحيدة اللى ممكن يأتى بيها هذا الحاكم فى عالَم النهارده. ثانيا: المُعضلة الكبيرة كمان هى إن السياسة مُتَّفق على إنّها أقذر ألعاب الدنيا، وبالتالى مين اللى عموما بيكسب فى السياسة؟ الأدهى، الأمكر، الأقدر على فَهم أصول لعبتها؛ لمّا تكون اللعبة دى اسمها سياسة، خلاص كُلِّنا عارفين ان للّعبة دى قواعِد مُعيّنة، لكن لمّا تدخُل تِلعَب لعبة السياسة وانت مسمّى نفسَك «سياسى ديني» حتِلعَب بأنهى قواعِد، قواعِد الدين ولّا قواعد السياسة؟.. ومع فرض مثلًا ان فيه كذا تيّار سياسى دينى فى مُجتمع ما بيتنافسوا على الوصول للحُكم، اللى حيكسب فيهُم ويِوصَلّه فعلًا مش شرط خالص يبقى الأحسن ولا الأكفأ ولا الأصلح ولا اللى يعرف رَبّنا أكتر ولا الأصفى نِيّةً حتّى، اللى حيوصل هو الأقدر على فهم لعبة السياسة وقواعدها؛ خبيث كان أو حميد.. فى السياسة البقاء للأقوى. فى الحساب: واحد وواحد يساووا اتنين، لكن فى السياسة: «الواحد ده مين اللى حيِدفَعُه؟ ولو انا اللى حَدفَعُه حآخُد ايه قصادُه؟ وحَكسَب ايه لمّا نزوِّدهُم على بعض؟ طَب انا حَستِلِف الواحد ده من هنا والواحد ده من هنا وواحد من عندى وأدّيك تلاتة، وانت ترجّعلى سبعة بس حَقول للناس انّك مش حترَجّعلى حاجة!».. فى الدين بَقَه عشان الدين عايز العَدل والصح والحلال بتتغيّر الأسئلة: أنهى واحد؟ وأنهى واحد تاني؟ واحنا مزوّدينهم على بعض ليه؟ وحَنزَوِّدهُم على بعض بأنهى طريقة؟ وفيه حد حيتضر لمّا نزوّدهُم على بعض ولّا لأ؟».. طريقة مُختَلِفة تمامًا فى الحِساب، تمامًا.. السياسى الدينى بيِستعمل مين فيهُم؟ ولو حيِستعمل منهَج دينى فى السياسة فعلًا، ازّاى حيقدر يعمل كِده وهم كُل أطراف اللعبة بيِلعبوا بقواعد مُختَلِفة!