بصوا بقه، إحنا عملنا ثورة على نظام حُكم مبارك الغاشم الغشيم، وبقالنا 6 شهور بنحاول بس نستعد لبناء الدولة المصرية الجديدة. والدولة دى عندها مهمّتين فى الأساس، أولا إنّها تخلق نظام إدارة ناجح بدل ذلك النظام الفاشل بكُل المقاييس اللى كُنا عايشين فيه، عشان ننجح بقه ونحقق إنجازات مش كبارى بس! وثانيا وهُو الأهم فى الحقيقة، خَلق نظام إجتماعى قادر على إنّه يغيّر فى نفس ونفسية كُل مواطن يعيش فى ظلّه؛ فيتحوّل المواطن المُستهلك إلى مواطن مُنتِج، المواطن المُحبَط إلى مواطن عنده أمل، المواطن اللى مش حاسس بقيمته إلى مواطن فخور، المواطن الأنانى اللى مايهمّوش غير نفسه إلى مواطن مُهتم، المُواطن المُغيّب إلى مواطن واعى، وهكذا. دى هى المهمّة الحقيقية، ده الهدف الأصلى من بناء دولة ونظام؛ إن المواطن اللى عايش فيهم نوعه يتحسّن؛ من غير ما المواطن نوعه يتحسّن يبقى كل حاجة تانية عديمة الجدوى. وعشان المواطن يتحسّن لازم البيئة اللى عايش فيها تتغيّر، وعشان البيئة تتغيّر لازم القواعد اللى بتحكم ظروف تلك البيئة تتغيّر. وعشان القواعد تتغيّر لازم نوع الناس اللى بيملكوا قوّة وضع قواعد اللعبة يتغيّر. ده حصل فى مصر بعد الثورة؟ طبعا لأ، لسه بدرى. القوة دلوقتى مُركّزة فى يد المجلس العسكرى الحاكم، اللى الثورة الحقيقة دبّسته فى هذا المأزق؛ هو ماكانش عايز كده خالص، هو كان نظام عسكرى مستقرّة أموره وبَعيد عن دهاليز السياسة المُظلمة وحالُه كان فى أحسن ما يكون. ولإن الحاكم العسكرى حاسس إننا ورّطناه فى تلك المتاهة ممكن يكون ده أحد أسباب إنّه بيتصرّف بطريقة مُختلفة عن اللى الثوّار عايزينه، وطبعا بإيقاع أبطأ بكتير من اللى الثورة محتاجاه. الجيش صحيح وافق على الثورة وأعطاها مباركته (واحب أسجّل ان أنا شخصيّا شايف إنّه ماعملش كده بمزاجه بل كان مضطر لإتخاذ الموقف اللى خده فى بداية الثورة). فالجيش زى ما تقولوا كده شريك للمصريين فى ثورتهم آه لكن يجب ألّا ننسى إنه كمان متدبّس فى الثورة دي؛ لم يطلبها ولم يبدأها ولم يريدها فى الاصل. (إلّا إنّه رحّب بيها فى تقديرى لسبب أصلى وأصيل وهو إلغاء فكرة التوريث اللى كانت طبعا بتؤرق وبشدة القوات المسلّحة كُلّها، لأسباب وطنية عند بعضهم مافيش مانع، لكن كمان لأسباب أنانية عند بعضهم الآخر؛ نقل السلطة المباركية العسكرية إلى جمال مبارك المدنى، بعد 60 سنة من حصول الجيش عليها، ماكانش أفضل سيناريو لسلطة الجيش ونفوذه، منطقى صح!) اللى انا عايز أقوله ببساطة كده إن قيادات الجيش –كما أثبتت مرارا- فعلا ماعندهاش تلك القُدرة على إحداث التغيير الجذرى اللى كلّنا بنَأمَل فيه. هُمّ مش النوع المناسب من القيادة اللى ممكن تحقق هذا الغرض (والحكومة بيعيّنها المجلس وبتشتغل تحت مظلّته فبينطبق عليها نفس الكلام). وانا مش بلومهم، أنا اتعوّدت ألّا ألوم أى حد على «هُو مين» وهُمّ كده، عاملين كده، إتعلّموا كده، عاشوا عمرهم كلّه كده، وممكن يكون مش من العدل إننا نطلب منهم ما لا يطيقون من تغيير. (وماتنسوش إنّهم مش ثورجية، بل متدبّسين). وبما إن المجلس العسكرى هو اللى بيملك القوّة وحده، يبقى المجلس العسكرى هو وحده اللى بيملك مفاتيح اللعبة؛ هو اللى بيضع التشكيل وهو اللى بيحط خظة اللعب. ثبت صحيح إن الضغط بيُجبرهم أحيانا إنّهم يغيّروا من موقفهم هُنا أو هناك، لكن الحقيقة تَبقى إن فيه شواهد كتير على إنّهم بيسمعوا ما يُلقى عليهم من طلبات على مضض، مضض «المتدبّس»، وكمان مضض اللى ماعندوش إستعداد يتعلّم طريقة جديدة يتصرّف بيها ويمشّى بيها الأمور، ويتعلّمها ليه؟! ومش أنا وغيرى بس اللى عارفين إن القوّة دلوقتى فى إيد قيادة الجيش، لأ، هُمّ كمان عارفين! عارفين إن القوة فى إيديهم. نستسلملُهُم يعنى عشان القوة فى إيديهم ونسيبهم يعملوا اللى هم عايزينه؟ لأ طبعا، هُو احنا فراخ! كُنّا فراخ لكن خلاص بقه مش حنبقى فراخ تانى، أو هكذا نتمنّى. لكن المقصود هو اننا نحط علاقتنا بيهم فى نصابها الصحيح؛ ماحدّش يفتكر إن الجيش أمّه أو أبوه (الأم والأب مايصدرش منهم تصرّفات زى بتاعة المحاكم العسكرية للمدنيين مثلا، ومابيشيلوش وزير عشان هاجمهم فى التليفزيون مثلا!) ممكن نعتبرهم زى مرات الأب كده! (مع الإعتذار طبعا لأى مرات أب عندها من الأمهات حنانهم كاملا غير منقوص. نفضل نقاوحهم، ونشاور على أخطاءهم، ونطلب منهم، وننتقدهم، ونهاجمهم حتّى، لكن بلاش كل ده يخلّينا نخلط الحقائق، عايزين دايما نفضل شايفين صورة سليمة. والصورة السليمة هى إننا كما ثبت فعلا كان عندنا قوّة لخلع حسنى مبارك وعصابته من حكم مصر، لكن الحقيقة بقه إننا ماعندناش القدرة على خلع الجيش، الجيش أقوى من أن يُخلَع أولا، وثانيا كمان إن فى وضعنا الحالى إحنا فعلا محتاجين قوّة تمسك زمام الأمور، حتّى وإن كانت بتخطئ أحيانا وحتّى وإن كانت بتُمسك زمام الأمور على مضض! وماتنسوش كمان إن ده مش وضع دائم؛ بعد شهور قليلة حيبقى عندنا قُوى أخرى، حيبقى عندنا رئيس وبرلمان وكلاهما قوة بتستمد شرعيتها من الديمقراطية، من الشعب نفسه، مننا. وده بيخلّى علاقتنا بيهم مختلفة تماما؛ الجيش من الآخر كده مابيخافش مننا، وأعتقد إن من الحماقة إنّك تحاول تخوّف حد مابيخافش منّك لإنّه عارف إنّه الأقوى.