اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى! طيب! اللى هدها بقى، كان -لا مؤاخذة- أصله إيه؟ لا تتسرع -من فضلك يا أستاذ قارئ- فى إعلان الوصف الذى يستحقه اللى هدها، تحسبا لإمكانية أن تخرج عليك شلة «آسفين يا ريس» أو بتوع «هليوبولس» الذين يتعاملون مع قضايا الوطن كأنما هى نوع من الحفلات التنكرية أو عروض أزياء الكاجوال المناسبة لتظاهرات موسمى الخريف والشتاء، وهم يذهبون دائما إلى المظاهرة -يا أستاذ قارئ- بحقائب الرحلات لزوم الروشنة، الحقائب ممتلئة «لتوم عينها» بكل أسلحة المناضلين الأشاوس، ومن بين تلك الأسلحة ما هو عاطفى، كالتسبيلة الناعمة كلما تكحلت الأعين بطلعة المحبوب، أو بصوره المرفوعة فى خشوع إلى أعلى بطول الأذرع، فيما هم يتطوحون أمام الكاميرات كمجاذيب السيدة. ومن بين تلك الأسلحة أيضا ما هو أقرب إلى توفير الأمن الغذائى لمن تخور قواهم أثناء الهتاف بحياة المخلوع أو الاشتباك مع أهالى الشهداء، كساندوتشات التيك أواى وشيكولاتة المرح وعلب الكبسولات الإيطالية التى تضاعف من طاقة الجسم. ملحوظة أولى: علب الكبسولات مكتوب عليها فعلا بثلاث أو أربع لغات أنها صناعة إيطالية، لكننى بصراحة لست متأكدا من أن هذا هو مصدرها الحقيقى. انتهت الملحوظة الأولى. إلا أن من أخطر أسلحة المناضلين الأشاوس تلك، اللافتات الضخمة التى تطالب بعودة الرئيس المجبر على التنحى إلى قصر العروبة. التليفزيون الرسمى اعتاد أن يركز على هذه اللافتات الضخمة التى يتغاضى الأمن باستمرار عن منع دخولها -هى دونا عن سائر الشعارات الأخرى- إلى أهم المصالح الحيوية فى البلاد، كذلك فإن من المؤكد أنهم سيمطرونك -يا أستاذ قارئ- بتشكيلة الاتهامات السابقة التجهيز من أيام حبيب العادلى، كالأجندات الأجنبية أو البلطجة أو خض حضرات السادة المستثمرين أو ترويج الشائعات أو ضرب السياحة أو الإساءة إلى الرموز أو إيقاف عجلة الإنتاج. وعلى فكرة: لماذا لا يقولون لنا من هى بالضبط تلك الرموز؟ هل المقصود بهذه الكلمة هم من يقفون حاليا بربطة المعلم خلف القضبان بتهم الفساد والقتل والتعذيب؟ هل هذه هى الرموز؟ أنا من واقع خبرتى -يا أستاذ قارئ- لا أنصح بالاقتراب من شلة «آسفين يا ريس» أو بتوع «هليوبولس» أو من يعادلهم من أخلاط الفلول. التعامل مع أمثال هؤلاء لا يؤدى -صدقنى- إلا إلى إضاعة الوقت. كما أثبتت التجارب مؤخرا أن الأمر لا يكاد يخلو فى جميع الظروف من بعض الإشارات البذيئة التى يبعثون بها إلى الآخرين على أبواب المحاكم، فضلا عن أنك قد تحتاج بعد غارة كهذه إلى أخذ 21 حقنة. أثبتت التجارب- يا أستاذ قارئ- أن الأمر لا يكاد يخلو فى جميع الظروف من تمزيق الهدوم أو آثار الأسنان التى تغوص فى العنق والصدر والكتفين، على طريقة الحزب المنحل الذى طالما هددت قياداته بأن ديمقراطيتهم لها أنياب. أجساد بعض المصريين ما تزال إلى الآن تحمل علامات غائرة من هذه الديمقراطية. تعالى معى -بدلا من ذلك- نفترض على سبيل الجدل، أكرر: على سبيل الجدل، أن عصابة من أعتى المجرمين فى التاريخ -منذ الإنسان القرد المعتدل القامة حتى القرد الإنسان عاشق الانبطاح أمام المتربعين على قمة السلطة أيا من كانوا- قد عقدت النية على تدمير هذه البلاد فى أقصر مدة ممكنة، فهل كانت -يا ترى- ستقدر على إلحاق كل هذا الأذى بمصر؟ كم من الوقت كانت ستحتاج لضرب التعليم والصحة والزراعة والدور الإقليمى لمصر والثقافة وكل أحلام المستقبل؟ كم من الوقت كانت ستحتاج لتحويل الإعلام الرسمى على هذا النحو إلى جهاز لنشر الأكاذيب المفضوحة، أو تجريف الوعى العام بهذه الطريقة البشعة؟ ثلاثون عاما أو أكثر، ونحن نستيقظ كل صباح لنسأل أنفسنا: ما هى الكارثة القادمة؟ ولم يخيب النظام البائد أملنا فيه مرة واحدة، كان يتفوق دائما على نفسه. قائمة الكوارث التى لا يبدو أن لها آخر، تضاف إليها مع كل طلعة شمس طائفة جديدة من المصائب المبتكرة، كأياس الدم الملوث أو المبيدات المسرطنة أو الانهيارات المتكررة لصخور الدويقة لتدفن البشر أحياء، بالإضافة إلى الحرائق التى يراد بها الطرمخة على السرقات الكبرى التى يرتكبها أخلص رجال المخلوع. هل كانت عصابة كهذه يا ترى ستقدر على تحقيق شىء كهذا، خلال بضعة عقود -لا أكثر- فى بلد يناهز السبعة آلاف سنة من عمره المديد؟ وعلى افتراض أن هذه العصابة استعانت بأشهر النوابغ من أساتذة الخراب المستعجل على مدى التاريخ، كنيرون أو تيمورلنك أو توماس دى توركيمادا كبير محاكم التفتيش الأوربية بالقرون الوسطى، أو بقيصر الموت فى روسيا إيفان الرهيب أو هملر قائد الجستابو -إبان العصر النازى- بألمانيا الهتلرية، أو بسفاحى بنى صهيون أكلة لحوم البشر من بن جوريون إلى إيهود أولمرت، وعلى افتراض حتى أنها استعانت بالشخصيات العطشى إلى الدم فى القصص أو المسرحيات أو بتلك التى ابتدعها الخيال الشعبى، كست إله الشر عند الفراعنة أو أمنا الغولة أو الشيطان النجدى الذى لقبه العرب فى أساطير الجزيرة بأبى رغال أو دراكولا أو سلالته من أشباح القلاع المهجورة بجبال هنغاريا، أو بشايلوك المرابى فى تاجر البندقية لشكسبير، فهل كانت -يا ترى- ستتمكن من إتمام المهمة على هذا النحو الرائع؟ هل كان فى وسعها أن تطبع على ملامح الثمانين مليونا من المصريين كل هذا الحزن؟ لا أحد بالمرة فى مقدوره أن يصنع بمصر ما فعلته بها هذه العصابة المتميزة على جميع المستويات بدون استثناء. الحد الأدنى من الروح الرياضية يفرض علينا أن نقر لها بذلك. اتضح أن عصابة على بابا والأربعين حرامى ليست سوى مجموعة من الأطفال الأبرياء. ملحوظة أخيرة: أقترح على شلة «آسفين يا ريس» أو بتوع «هليوبولس» أن يسارعوا ببناء تمثال للمخلوع يسمونه: نكبة مصر.