للحائر فى تصنيف توجهاته السياسية: يمكنك أن تعرف ميولك السياسية وأقرب برنامج حزبى لك من خلال «الآلة الانتخابية»! وهى عبارة عن استبيان يتيح للمستخدم الإجابة عن 29 سؤالا، تتناول أغلب القضايا السياسية الخلافية، مثل مدنية الدولة، وحقوق المرأة أو الأقباط، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، والعلاقات مع إسرائيل وغيرها، وكانت إجازة العيد فرصة طيبة لتجربة الآلة الانتخابية فى محيط الأسرة المجتمعة حول الخروف، وأسفرت النتائج عن مفاجآت لطيفة لمن اعتادوا تصنيف أنفسهم ضمن تيار سياسى معين، فاكتشف البعض أنهم ناصريو الهوى أو أن بهم ميلا نحو الإخوان دون أن يدروا. يطرح موقع «http://egypt.electionnaire.com» استبيانا باللغة العربية والإنجليزية، مكونا من أسئلة متتالية تكون إجابتها ب«نعم أو لا أو محايد»، ليسفر فى النهاية عن نسب تطابق إجابات المستخدم مع إجابات الأحزاب المخزنة فى قاعدة البيانات، ابتكرت «الهيئة الفيدرالية الألمانية للتربية المدنية» هذه الفكرة لأول مرة فى الثمانينيات كخدمة معلوماتية مقدمة إلى المواطنين، وتتعاون كل من مؤسستى «الإعلام عبر التعاون وفى مراحل التحول»، وهى مؤسسة غير حكومية مقرها فى برلين، و«الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» لنقل هذه التجربة لأول مرة إلى الساحة المصرية لتساند المواطن المصرى فى التعرف على أقرب الأحزاب إلى فكره، وسط هذا الزخم السياسى وزحام التصريحات المتضاربة. قد يرى البعض أن تطبيق الآلة الانتخابية فى مصر يرتبط بإشكاليتين تتعلقان بخصوصية الثقافة السياسية السائدة، الإشكالية الأولى تتعلق بمصداقية الأحزاب، حيث يفترض أسلوب مضاهاة ميول الناخب بالبرنامج المعلن للأحزاب وصدق التصريحات التى يدلى بها ممثلو هذه الأحزاب وعدم تضاربها، والإشكالية الثانية تتعلق بشخصنة السياسة فى مصر، وارتباط اختيار الناخبين بالفرد ذى المصداقية والكاريزما، لا المؤسسات. يعلق السيد جونار ماول، مدير المشروع، على هاتين الإشكاليتين، قائلا «لا تتحمل الآلة الانتخابية مسؤولية التصريحات الحزبية كما لا نعطى لأنفسنا الحق فى تقييم مدى صدق إجابات الأحزاب»، لأن الدور الأساسى للاستبيان -وفقا لماول- هو أن يتعرف الناخب على ذاته أولا، ثم يتعرف فى الخطوة التالية على الأحزاب المتنافسة، بل كثيرا ما يؤدى الاستبيان إلى حالة من التأمل حول توجهات الذات، لأنه يواجه الناخب بأسئلة قد يضطر لأول مرة فى حياته إلى أن يواجه نفسه بها، كما يؤدى إلى زيادة وعى المواطن بأحزاب جديدة أو خارج نطاق اهتمامه الشخصى، بما يزيد من عملية التعلم والوعى فى المجتمع، ويضيف مدير المشروع أنه ليس الهدف من الآلة الانتخابية توجيه المواطن لانتخاب جهة معينة بقدر ما هو دعمه فى اتخاذ هذا القرار، فإن لاحظ الناخب وجود فجوة بين تصريحات بعض الأحزاب وممارساتها نتيجة تعرضه إلى الاستبيان، يمكن اعتبار ذلك تعلما سياسيا يتيح للناخب مجالا أوسع لحرية الحركة من خلال المعلومات المقدمة إليه، بل إن عملية التعلم السياسى لا تقتصر على المواطن فحسب، بل تمتد أحيانا إلى بعض الأحزاب، كذلك التى لم تشغل بالها ببعض القضايا، مما يدل على أنها لا تملك إجابات لبعض الأسئلة الملحة فى المجتمع، ويؤكد ماول أن الاستبيان أسفر عن حالة نقاش، وجدل داخلى فى عدد من الأحزاب بهدف رسم ملامح البرنامج الحزبى، مما يعنى أن آثار التعلم تمتد لتشمل مؤسسات أيضا. لا تقلل التساؤلات المذكورة من قيمة الآلة الانتخابية، التى بذل بها فريق البحث المصرى مجهودا كبيرا فى جمع برامج الأحزاب وتوجهاتها، إضافة إلى مراسلة أكثر من 30 حزبا لجمع ردودها ضمن قاعدة البيانات، ويعكف فريق العمل على الإعداد منذ عدة شهور، حيث بدأ التحضير لها من خلال التواصل مع منظمات المجتمع المدنى من كل التيارات، بهدف وضع الأسئلة، ونظرا للزيادة المطردة للأحزاب المصرية، يفكر مديرو المشروع فى توسيع قاعدة البيانات من خلال إضافة أحزاب حديثة، ويأسف السيد ماول مدير المشروع لعدم موافقة حزب النور على الإجابة عن الاستبيان، وبالتالى عدم المشاركة فى قاعدة البيانات رغم محاولات فريق الآلة الانتخابية الحثيثة إقناع الحزب، رغبة فى المصلحة العامة، حيث إن الحوار المجتمعى العام لا يكون مكتملا إلا بإشتراك كل الأطراف، أما عن التهمة المفضلة حول تخوين أى تعاون مصرى-أجنبى فى مجال دعم الديمقراطية، فيقول السيد ماول «الفريق المصرى قام بكل الجهد. نحن لم نقم إلا سوى بتقديم خبرتنا المهنية فى مجال بناء الآلة الانتخابية، فللمؤسسة الألمانية خبرة فى دول عربية أخرى فى المرحلة الانتقالية، منها تونس، ونحرص على الموضوعية التامة لأنها أساس أى تعلم مجتمعى للديمقراطية». يمكن إذن اعتبار الآلة الانتخابية وسيلة لتنظيم المعلومات السياسية حول القضايا السياسية والأحزاب فى شكل جذاب وسهل الاستخدام، هى لن تختار للناخب، لكنها تواجهه بقضايا خلافية تزيد من وعيه بذاته ومواقف الآخرين من حوله لتساعده فى دعم القرار.