لا أعلم على وجه الدقة إذا كان هو طمعا أم فقرا أم طاقة زائدة هى التى تدفع مدربى الأندية والمنتخبات إلى العمل مقدمين أو محللين أو كاميرا مان فى القنوات الفضائية، ولكن ما أعتقده أنه إخلال بمبادئ العمل الإعلامى وشرف المهنة وتحطيم قواعد الحياد والنزاهة وكسر القواعد الأخلاقية وفتح باب للفساد والتملق والمجاملة، فالمدرب الذى يجلس على مقعد المحلل أو المذيع لديه قبل أن يفتح فمه حزمة مصالح وعلاقات تقيده فى الحديث بحرية وتحد من أمانته فى التحليل، وتضع له أجندة يتحرك بداخلها ولا يملك حرية الخروج عن حوافها حتى لا يصطدم بزملائه أو يخسر علاقة مع مسؤول هنا أو هناك، كما يملك عداءات وخلافات لن يجد أفضل من شاشة التليفزيون لتصفيتها وتصفية من يختلف معه. وهذا يفسر لماذا وقع الصدام بين الكابتن حسن شحاتة وفاروق جعفر، فالأخير معروف خلافه مع المعلم وغيرته من تولية الأول تدريب المنتخب الوطنى لفترة طويلة، حقق فيها نجاحات مذهلة زادت من تأجج نار الغيرة فى نفس روقة، ولم يكد شحاتة يلعب أول مباراة فى الدورى مع الزمالك حتى جاءت الفرصة الذهبية للانتقام، ففاروق يملك برنامجا تحليليا يذاع على شاشتى القناة «الثانية» و«الفضائية المصرية»، وشحاتة يلعب فى الأسبوع الواحد مباراتين والأخطاء واردة وبكثرة، فأوسعه فاروق سخرية، واتهمه بالعجز عن تدريب الأندية، وطرح نظرية أن مدرب المنتخب لا يصلح للأندية، ووقعت الأزمة التى تابعناها فى الأسبوعين الماضيين، وهى أزمة تكشف كيف استغل فاروق جعفر أو المذيع الشاشة كى يصفى حسابات قديمة وخلافات شخصية، وهو ما يدمر رسالة الإعلام الذى يتم انتهاكه الآن على يد مجموعة من المدربين الجشعين، الذين أسقطوا قيم ومبادئ الإعلام وأفسدوا العمل الرياضى، وهذه هى السلبية الثانية والخطيرة فكيف لمدرب مثل فاروق جعفر أو غيره أن يجلس اليوم ليحلل أداء الفرق المنافسة ومدربيها، ثم تجده يجلس فى اليوم الثانى على الدكة يدير مباراة لفريق ينافس الفرق والمدربين الذين انتقدهم بالأمس؟ وكيف يعقل للاعب أن يحترم مدربه الذى يخرج من المباراة، ويجرى إلى الاستوديو ليلحق بالنمرة التحليلية قبل النوم؟ هذا الخلط فى الأوراق من شأنه أن يفسد القطاعين الإعلامى والرياضى وهو ما حدث بالفعل. ولا أريد أن أسمع هنا كلاما عن أكل العيش وزيادة الدخل، فالمدرب «الكحيان» فى الدورى الممتاز يحصل على 50 ألف جنيه، و«اللوكس» مثل جوزيه مليون جنيه، و«السوبر» مثل شحاتة 250 ألف جنيه، والأشية معدن وزى الفل، وليس هناك مبرر للطمع والجشع، فالجمع بين العمل الإعلامى والتدريبى فى نفس الوقت يفقد المدرب القدرة على السيطرة على لاعبيه، فكيف للكابتن حسن شحاتة أن يطلب من ميدو أن يلتزم ويمتنع عن الظهور فى البرامج التحليلية لقناة «الحياة» المتعاقد معها، وهو نفسه تعاقد على التحليل لقناة «ميلودى سبورت»؟ القصة ستزداد تعقيدا، النادى هو الذى سيدفع الثمن، وهذا ما شاهدناه مع فاروق جعفر وطلائع الجيش، المحلل العظيم ومقدم البرامج اللامع الذى لا ينجو مدرب من تحت سكينه، فريقه يلعب مع الصغار فى النصف الثانى من جدول المسابقة، والأمر نفسه مع الزمالك، فالمدرب يسعى إلى تأمين مستقبله، وزيادة دخله بالعمل فى الفضائيات بعد التدريب، واللاعبون ليسوا أغنى من مدربيهم، ويبحثون عن عمل آخر يساعدهم على شظف العيش. الأهلى هو النادى الوحيد الذى انتبه لهذا التداخل فى المصالح والتعارض بين مصلحة النادى والمدرب، وقرر منع مدربيه من العمل فى التحليل الفضائى ليجنب نفسه هذه السلبيات، وبالفعل أجبر الجميع على الالتزام، وحتى جاء الخروج عن الإجماع من صاحب القرار نفسه الكابتن محمود الخطيب، الذى تعاقد مع «ميلودى سبورت» لتقديم برنامج قيل إنه أسبوعى ثم تحليلى، ونحن فى انتظار ظهوره، وحتى تحين اللحظة وبغض النظر عن طبيعة البرنامج، حتى ولو لم تكن تحليلية، فإن منصب نائب رئيس النادى الأهلى لو تعلمون عظيم، وظهور صاحبه الدائم على الشاشة من شأنه أن يقلل من هيبة المكان ويصغر من صاحبه.