الفنان السورى يبدو حائرا حيث تتعدد زاوية الرؤية من خلال الموقع الذى تطل منه على هذا الفنان. أنا مثلا أرى أن موقف النجم جمال سليمان متراجع عن طموح الشارع السورى فهو مع النظام لا يقترب بكلمة انتقاد واحدة موجهة ضد بشار الأسد، أقصى ما يعلنه هو أنه يرى فى نداء الجماهير بالحرية والعدالة الاجتماعية حقوقا تأخرت طويلا، ولكنه لا يقترب من الخط الأحمر وهو بشار الأسد، بل إنه عندما يقال له إن بشار هو الذى قص شريط التوريث فى العالم العربى فى مصر وليبيا وتونس واليمن وإنه اعتلى الحكم بتدليس وتزوير فاضح للدستور السورى، يسارع بإعلان أنه يرى أن الناس اختارت بشار لأنه شاب ومثقف ومؤهل لحكم البلاد لا باعتباره ابنا لحافظ الأسد.. كنت أظن حتى كتابة هذه السطور أن جمال هو أحد خطوط الدفاع عن بشار لأن النظام القائم على دعامتين هما سيطرة قوى طائفة العلويين وتغلغل القوى الأمنية فى المجتمع، يلجأ دائما إلى النجوم لتبييض وجهه القبيح، إلا أننى اكتشفت مؤخرا أن جمال سليمان لا يحظى بتلك الحماية التى توقعتها وأن النظام يريد منه أن يدفع أكثر، رغم أننى أراه قد أعطى كثيرا ولم يستبق شيئا بل إننى تصورت أن الغاضبين عليه هم الثوار لا النظام، هذا هو المفروض لأن من يدافع عن بقاء بشار فى السلطة يدافع عن جزار أحل دماء شعبه! إلا أن جمال بسياسة الوقوف على الحافة بين النظام والثوار قد ارتكب مؤخرا معصية لا تغتفر فى حق النظام، هى أنه وافق على تلبية دعوة مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائى.. لم ينفِ جمال بالطبع حضوره فاعليات المهرجان ولكنه حرص على تأكيده قبل أن يشد الرحال هو وعائلته الصغيرة عائدا إلى دمشق أنه لم يتورط فى التسجيل لقناة «الجزيرة». هل تنجح خطة جمال فى إقناع الطرفين، النظام والثوار، أنه يقف فى الخندقين معا؟ فهو إرضاء للثوار طالب بالإفراج عن كل المعتقلين فى السجون السورية، إلا أن ما قدمه للسلطة السورية أكثر، وهو دعم بقاء بشار على رأس السلطة، وأتصور -أو كنت أتصور- أن هذا يكفى، إلا أن الدولة القمعية تطلب مزيدا! وطبقا لتركيبة النظام فإن حضور جمال مهرجان الدوحة هو الخطيئة الكبرى، النظام لا يسمح بالوجود فى مهرجان مثل الدوحة تتبعه قناة «الجزيرة» المتهمة من قِبل كل الأنظمة العربية بأنها لعبت الدور الأكبر فى إشعال ثورات الشعوب ضد الطغاة من الحكام، ودائما ما تصب الدولة السورية شحنات الغضب ضدها. قد تتسامح مع قناة «العربية»، ولكنها أبدا لا تفعل ذلك مع قناة «الجزيرة». أعتقد أن مجرد مشاركة جمال أغضبت النظام، فلقد رأس لجنة التحكيم المخرج المعارض السورى محمد ملص وعُرض فيلم المخرج الراحل المعارض عمر أميرلاى «طوفان فى بلاد البعث»، كما أن من بين ما أغضب النظام السورى أن معارضا آخر هو المخرج أسامة محمد رغم انتمائه إلى الطائفة العلوية التى تحكم البلاد، فإن انتماءه الوطنى تجاوز انتماءه الطائفى، شارك بمحاضرة عن عمر أميرلاى. كل من ملص وأسامة لا يشكل تخوفا كبيرا للنظام، حيث إن لكل منهما موقفه المعارض المعلن قبل الثورة بسنوات بعيدة، بينما جمال لديه اسمه الجماهيرى فتصبح خطورته أكبر وخطيئته أيضا عند النظام أفدح. أعتقد أن جمال حريص على أن يُبقِى على شعرة معاوية، فهو مع النظام ومع الثورة، فهو لا يلتزم بالمقاطعة السورية للمهرجان ولكنه يلتزم بعدم التسجيل لقناة «الجزيرة»، ولكن حتى هذا لا يكفى فى شريعة النظام القمعى الذى منع كل فنانيه السوريين وأيضا اللبنانيين من التسجيل فى برنامج «صولا» بسبب اسم أصالة، لأنها تقدم البرنامج حتى بعد أن خففت من نبرة الهجوم على بشار، واكتفت فقط بتأييد الثورة، فإن هذا لم يكفِ لتخفيف حدة الغضب. النظام السورى القاسى والضعيف يزداد شراسة كلما ازداد ضعفا. جمال يلاعب النظام والثورة بالوقوف على الحافة، يسافر إلى الدوحة لكنه لا يسجل ل«الجزيرة».. يقف مع الثوار ويطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسين، إلا أنه لا يهاجم الأسد، بل يؤكد أنه صمام الأمان لسوريا... هل يستطيع جمال الانتظار طويلا على الحافة؟!