كان أبو العربى منزويا فى ركن المقهى يدخن معسلته القص فى هدوء، ويتابع الجدل المحتدم بين زبائن المقهى هذه الليلة حول البرادعى الذى ظهر فجأة فى مصر وقال.. حان وقت التغيير.. فسقط النظام! وتحقق كل ما قاله البرادعى وكأنه مكشوف عنه الحجاب! وتجادل الزبائن واختلفوا فى ما بينهم وتساءلوا عن سر البرادعى، واحتدم الخلاف، ثم فوجئ الجميع بأبو العربى يقول: - عايزين تعرفوا السر؟ التفت الجميع لأبو العربى الذى نسوا وجوده لفترة وقالوا له: - ياريت يا أبو العربى - هاحكيلكو حكاية.. تهيأ الجميع لسماع حكاية جديدة من حكايات أبو العربى وسألوه بتشوق: - حكاية إيه يا أبو العربى؟ - حكاية الراجل الغريب مع الحداد اللى دكانه إزاز فى إزاز. احكى يا أبو العربى. - هتفهموا؟ - هنحاول يا أبو العربى. ترك أبو العربى المعسلة واعتدل فى جلسته وبدأ يحكى.. - كان فيه زمان.. بلد من البلدان.. وكان فيها حداد.. دكانه إزاز فى إزاز.. فرنه اللى بيحمى فيه الحديد.. إزاز فى إزاز.. سندانه.. إزاز فى إزاز.. مطرقته.. إزاز فى إزاز.. كماشته.. إزاز فى إزاز.. وكان بيمسك حديده المحمى فى فرنه الإزاز، بكماشته الإزاز، ويحطه على سندانه الإزاز، ويطرقه بمطرقته الإزاز، ويشكله زى ما هو عايز، وفضل على الحال ده كتير، لحد ما فى يوم، وصل البلد راجل غريب، وقف على باب الحداد وبصلُه كتيييير وبعدين سأل الحداد سؤال.. قاله يا ترى اللى بتعمله ده صنعة؟ ولا خلوّ بااال؟ رد الحداد فى الحال وقال بعنطزة.. صنعة طبعا.. هز الغريب رأسه وقاله.. طيب.. هانشوف.. وسابه ومشى، وراح على السوق، واشترى خضار ولحمة وفاكهة ومن كل الخيرات، وأجر شيال، وسأل على بيت الحداد فدلوه الناس، وصل البيت وخبط، طلعتله مراة الحداد، قالها الغريب الحاجات دى جوزك الحداد باعتهالك عشان تطبخيها لأنه جاى على الغدا ومعاه ضيوف.. وسابها ومشى.. رجع صاحبنا الحداد على ميعاد الغدا بص لقى فى انتظاره مأدبة فيها من كل الخيرات، استغرب الحداد وسأل مراته.. منين ده ياولية؟ حكتله الحكاية، والراجل اللى دخل بيته فى غيابه وجاب الحاجات دى وقالها جهزيهم عشان جوزك جاى ومعاه ضيوف.. انشغل بال الحداد وفضل مستنى الضيوف والراجل اللى جاب الحاجات، وهو باله مشغول وبيضرب أخماس فى أسداس، لحد ميعاد الغدا ما فات.. لا الراجل الغريب ظهر.. ولا الضيوف جم، قام الحداد وهو لسه مشغول البال، وخرج من غير ما يحط لقمه فى بقه، وراح على دكانه الإزاز وهو باله لسه مشغول، وفتح قفله الإزاز، بمفتاحه الإزاز، وجاب حتة حديد محمية من فرنه الإزاز، وحطها على سندانه الإزاز، ومن أول ضربة، اتحول الدكان الإزاز لكوم تراب، وبص الحداد لقى الراجل الغريب واقف بيبتسم ويسأله من جديد.. هاااه.. صنعة.. ولا خلو باااااااال؟! انتهى أبو العربى من الحكاية، وصمت زبائن المقهى قليلا يفكرون، ثم قال أحدهم لأبو العربى: - يعنى البرادعى هو الراجل الغريب، والمخلوع هو خالى البال اللى دكانه إزاز فى إزاز. - آدى واحد اتعالج وفهم. أيوه بس البرادعى ده طالب حكم يا أبو العربى، وزى ما قلت انت.. غريب وافد على البلد. - وآدى واحد لسه ماتعالجش. يضحك الزبائن فيسأله الزبون معاتبا: - ليه كده بس يا أبو العربى؟ - لأن البرادعى مش طالب حكم، وهو الوحيد فى مصر اللى ماصيحش وقل أدبه زى كل اللى عمالين يصيحوا ويقلوا أدبهم ليل ونهار، مع إنه هو الوحيد فى مصر اللى من حقه يصيح لأنه معاه مليون توكيل من الناس اللى عملوله توكيلات وحطوه فى وش المدفع وقدموه ضحية لنظام قتال قتلا ينهش لحمه، وبعد ما المليون توقيع روَشو النظام وشغلوا باله وخلوه مش عارف راسه من رجليه واتحول دكانه الإزاز لكوم تراب مع أول ضربة، كل الناس دى خانت البرادعى وباعته، وبعد ما مصر اتوحدت وراه رجعت تانى واتشتتت، كله طمع فى التورتة، مصر بالنسبة لهم حتة تورتة! بس بكره كلهم هيندموا ندم الإبل. هى الإبل بتندم يا أبو العربى؟ - لو عاشت معاكم وعاشرتكم هتندم. - هو احنا وحشين قوى كده يا أبو العربى؟ - الاعتراف بالحق فضيلة.. أما بالنسبة لاخوانا اللى بيقولو البرادعى غريب ووافد على مصر، لازم يعرف إن مصر بتتباهى بيه قدام العالم لأنه مصرى وحاصل على جايزة نوبل وستة وعشرين جايزة دولية وخمستاشر دكتوراه فخرية من كل جامعات الدنيا، ومختارينه من أحسن عشرين مفكر فى العالم، يعنى البرادعى مصرى أبا عن جد، أب كان نقيب المحامين، وجد كان أزهرى، يعنى البرادعى مصرى بس اتعالج.. عقبالكم جميعا. - يعنى رأيك إن البرادعى هو اللى يحكم مصر يا أبو العربى؟ - البرادعى مش هيحكم مصر.. لأنه خسارة فيكم.. ولأنكم مابتحبوش غير الحلانجية وفنجرية البق وتجار الدين والسياسة، وكمان مش هيحكم لأن أمريكا وإسرائيل والبترودولار مش عايزينه، ولأنهم عايزين مصر تفضل فى قعر القفة، وماترفعش راسها تانى فى المنطقة، مش عايزينها تقوى، عايزينها تفضل إزاز فى إزاز، وأنا شايف إن فيه ناس كتير قوى دلوقت بتلم الإزاز المكسور وبتلزقه مع بعضه بسرعة قبل ما حد ياخد باله عشان مصر ترجع تانى دكانة إزاز فى إزاز، ويحكمها حداد جديد بالحديد والنار.. من الآخر عشان ترتاحوا.. البرادعى ربنا مش خالقه عشان يحكم مصر.. البرادعى ربنا خالقه عشان نقتله وننهش لحمه ونرجع نندم عليه، واحنا ياما ندمنا على ناس قتلناها.. بس الدور ده هنندم ندم الإبل.