حالات الاختفاء الغامض أو مقابل فدية مالية ضخمة فى تزايد مستمر على الرغم من أن محمود وهدان وكيل وزارة التعليم فى المنيا نفى أن تكون الإدارة التعليمية بسمالوط قد قامت بإعطاء إجازة إجبارية للطلاب بداية من يوم 30 أكتوبر الماضى خوفا من تصاعد عمليات الاختطاف فى مدينة سمالوط الآن. فإن الواقع العملى على الأرض يؤكد أن المدارس الخاصة على الأقل أعطت مثل هذه الإجازة، وأن أغلب مديرى المدارس فى سمالوط قال لأولياء أمور الطلاب إن أحدا لا يستطيع منهم تحمل مسؤولية عودة أبنائهم سالمين، والخشية الحقيقية هنا أن تمتد حالة الذعر تلك إلى بقية مدن المنيا. الموضوع يبدو خطيرا بالفعل، خصوصا مع تكرار حوادث الاختطاف أو الاختفاء الغامض فى هذه المحافظة الصعيدية التى لا تبعد كثيرا عن القاهرة مع وجود بعض الحالات القليلة نسبيا فى المدن. الاختطاف طال حتى الأطباء فى عياداتهم، فهناك لواء طبيب كان يعمل بسجن المنيا العمومى طُلب منه الحضور لحالة مستعجلة، وتم بعدها اختطافه ومساومة أهله على فدية كبيرة تم دفعها فعلا. ومع تزايد حالات الاختطاف بدأ الناس يخلطون بين ما هو حقيقى وما هو مجرد شائعة، ومع إحجام الناس فى أغلب الأحيان عن التبليغ عن تلك الحالات للجهات الأمنية، باعتبار أن هذا بلا جدوى كثرت الأقاويل عن وجود عدد آخر من الحالات لفتيات فى مدينة ملوى عدن لأهلهن بعد دفع «المعلوم»، وقد شهد مركز العدوة أيضا، بأقصى شمال المنيا، حالة اختطاف للطفلة سهيلة جمال مصطفى، 11سنة، دون أن تعود حتى الآن على الرغم من وعود رجال الشرطة الوردية. هكذا أصبح أحد أهم المطالب الرئيسية لأهالى المنيا تغيير كل قيادات البحث الجنائى، التى لم يمر على شغلها منصبها الجديد أكثر من ثلاثة أشهر، بينما المطلب الأهم طبعا هو الكشف عن سر هذا الاختفاء الغامض لأهالى المحافظة، وتوقف عمليات الاختطاف. سمالوط.. شيكاغو الصعيد سيارات تحمل أرقاما ليبية.. وملثمون يحملون أسلحة وموادّ مخدرة.. والشرطة تنام فى العسل حالة رعب تعيشها مدينة سمالوط، بعد حوادث الاختطاف المنتظمة، التى تتم فى وضح النهار. التلاميذ خاصموا مدارسهم، فلا أحد من أولياء الأمور يطمئن إلى الشارع حاليا. شهود العيان على حوادث الاختطاف شاهدوا سيارات تحمل أرقام الجماهيرية الليبية، وملثمين يهبطون منها ليقتادوا ضحاياهم. العائدون يرفضون التحدث، خوفا من إثارة غضب المختطفين، الذين تشير أصابع الاتهام إلى أنهم من البدو، خصوصا أن هناك حالة تراخٍ مذهلة من الشرطة. وكيل مطرانية سمالوط القس إسطفانوس شحاتة، يحمل مسؤولية الاختطاف للانفلات الأمنى، مشيرا إلى أن هناك تخوفا من جانب أسر المختطفين أنفسهم من إبلاغ الشرطة، لأنهم لم يجدوا رد فعل إيجابيا من جانب الأمن، وبالتالى فهم يأخذون تهديدات المختطفين على محمل الجدية، متسائلا «هل بات الأمن ضعيفا إلى ذلك الحد، الذى أصبحت عمليات الاختطاف تتم جهارا نهارا، لا للأطفال فقط بل لشباب فى عنفوانهم؟». «لن يتحدث الضحايا الأقباط العائدون أو أهلهم عن تجاربهم». يقول إسطفانوس، ويضيف «للأسف هؤلاء الضحايا باتوا لا يثقون فى أحد بعد الذى تعرضوا له، لدرجة أنهم ومع تجربتهم المريرة كمختَطفين لا يريدون الحديث معنا ككهنة وآباء لهم». وكيل مطرانية سمالوط كشف ل«التحرير» عن أسماء الضحايا الأقباط، رومانى أيوب نعوم، 25 سنة، مزارع من قرية عبد الله الخواجة مركز سمالوط، اختُطف أوائل الشهر الحالى، ودفع مبلغ 70 ألفا. مينا خلف نمر، 24 سنة، القطوشة، مزارع أيضا، دفع 70 ألفا، أمير ماهر حليم، 23 سنة، صاحب مستودع أنابيب، دفع 100 ألف، هبة مختار ياسين، 14سنة، ابنة تاجر سلاح، دفعت 50 ألفا، وكلهم عادوا. إسطفانوس حذّر من عمليات بلطجة اقترنت بحوادث الخطف، ساردا واقعة اقتحام بلطجية حضانة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية فى سمالوط، والاستيلاء عليها بقوة السلاح، ورغم تحرير محضر بالواقعة فإن الأمن لم يتخذ إجراء رادعا يعيد تلك الحضانة إلى أصحابها. مشيرا إلى أن الفراغ الأمنى تبعه بالضرورة هجرة عدد من المواطنين الخائفين من تكرار تلك الحوادث من سمالوط، مشددا على أن الوضع الاقتصادى بات صعبا ليس فى سمالوط وحدها، بل فى المنيا بشكل عام. «عملية الاختطاف تتم فى وضح النهار»، يقول عضو مجلس محلى سمالوط السابق محمد شحاتة، مؤكدا أن هناك سيارات تحمل أرقام الجماهيرية الليبية تقوم بالاختطاف عنوة، بعدها تأتى مكالمة تليفونية بلهجة بدوية أقرب للهجة عرب سمالوط، تساوم أهل الضحية على مبلغ مالى، وتحذرهم من إبلاغ الشرطة، ومع تكاسل الشرطة يضطر الأهالى إلى دفع الفدية حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه. رئيس لجنة التعليم فى مجلس محلى محافظة المنيا سابقا، خيرى فؤاد، يشير إلى أن سمالوط تشهد ما يمكن وصفه بمقاطعة عامة من قبل الطلاب والتلاميذ بمختلف أعمارهم للمدارس، بعد أن أصبح الرعب مخيما على الجميع، نتيجة الغياب الأمنى الكامل عن المدينة، مبديا دهشته من أن الاختطاف يتم فى شوارع رئيسية، من دون أن يتعرض أحد المارة للخاطفين، لافتا إلى أن الخاطفين ملثمون ويحملون أسلحة ومادة مخدرة. لماذا سمالوط تحديدا؟ يشير فؤاد إلى أن هناك رسالة سياسية واضحة، وهى تخويف الناس من الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أنه مع أحداث ليبيا الأخيرة، فإن هناك نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل عادت إلى سمالوط، التى كانت تتمتع بوجود نسبة كبيرة من شبابها، خصوصا من قرى البدو والقبائل العربية فى ليبيا. عادوا ومعهم سلاح، وسيارات تحمل أرقام الجماهيرية. ويعلّق «أى بحث جنائى حقيقى يريد الوصول إلى أسباب تلك الظاهرة، يجب أن ينطلق من تلك المعلومات التى يعرفها رجل الشارع العادى». تشكيل عصابى من العفاريت خناقة بين جن مسلم وجن مسيحى تشعل النار فى بيت فلاح.. وسمالوط موعودة بماء النار 25 كيلومترا فقط تفصلنا عن مدينة المنيا. هنا مركز سمالوط، الذى يشهد جرائم من كل الألوان. ظاهرة الخطف منتشرة وبكثافة. الكبار والصغار، على حد سواء، أهالى المركز تظاهروا أمام قسم الشرطة، واتهموا أجهزة الأمن بالتخاذل والتقاعس عن حمايتهم. الجرائم أشبه بالألغاز، والمركز على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، ظهرت فيه عصابة تتحرش بالفتيات باستخدام ماء النار. قبل عامين، تلقت أجهزة الأمن بلاغين، الأول من الطالبة ميرنا ناجى سيف، والآخر من رنا فريد صموئيل. البلاغان أفادا قيام شباب بمطاردتهما فى أثناء سيرهما فى الشوارع، وسكب مادة غريبة على «ظهريهما»، وتبين بعد ذلك أنها «ماء نار». الظاهرة انتشرت بسرعة البرق، حتى تمكن الأمن من إلقاء القبض على الجناة. فى أواخر العام الماضى شهدت قرية «الشراينة» بنفس المركز ظاهرة عجز عن تفسيرها الجميع، حيث عانى فلاح يدعى عماد الدين محمد مهنى، من اشتعال النار فى منزله بين الحين والآخر، حتى إن المشايخ وضباط الأمن نصحوه بأن يترك منزله وربما القرية بأكملها، وقال له أحد المشايخ إن سبب اشتعال النيران هى خناقة بين جن مسلم وآخر مسيحى. قرية منقطين بنفس المركز، شهدت واقعة أدهشت الجميع عندما عم الهرج والمرج بين تلاميذ مدرسة ابتدائية بالقرية، ورددوا ظهور «عفاريت تقوم بخطف التلاميذ وذبحهم». مأساة أهالى المركز لم تتوقف عند هذا الحد. فى العام الحالى انتشرت بقوة ظواهر الخطف والاختفاء، بدأت عندما اختفت طالبة بالصف الثانى الثانوى، ثم شمل الخطف الكبار والصغار، فى بداية مطلع الشهر الحالى، وكان أبرزها خطف صاحب «مغلق خشب»، يدعى ماهر حليم فى أثناء استقلاله دراجة بخارية فى سمالوط، وحرر شقيقه محضرا قال فيه إن مختطفى شقيقه طلبوا فدية «150 ألف جنيه» لإطلاق سراحه. كما حرر تاجر محضرا لاختفاء نجله الذى يبلغ من العمر 20 عاما، وأن مختطفيه طلبوا فدية «100 ألف جنيه»، ثم عادوا ورفعوا قيمة الفدية لتصل إلى نصف مليون. صموئيل سمير زكى، يقيم بقرية صفط الشرقية، حرر أيضا محضرا أقر فيه باختفاء أيوب عزيز شحاتة، وأن مختطفيه أجبروه على الذهاب معهم بالقوة، عندما اعترضوا سيارته بطريق «تلة»، ثم طلبوا فدية مليون جنيه لإطلاق سراحه. وفى مدينة المنيا، توجهت سيدة إلى قسم الشرطة، وحررت بلاغا يفيد بتغيب زوجها الطبيب رشاد مختار دوس، «56 سنة»، أقرت فيه بأن أشخاصا مجهولين حضروا إلى عيادته وطلبوا منه الذهاب معهم لتوقيع الكشف الطبى على أحد أقاربهم، وطلبوا منه فدية «نصف مليون جنيه».