اختطفوا نجله ليساوموه علي مبلغ من المال وصل إلي 100 ألف دولار، وبعد مفاوضات طويلة تمكن من إقناعهم بتخفيض المبلغ إلي مائة ألف جنيه مصري واختار أحد أقربائه ليكون وسيطا بينهم ليدفع الفدية ويعود بالولد.. لكن طمعهم في المزيد جعلهم يزيدون الفدية 40 ألف جنيه أخري علي شرط أن يأخذوا ال 100 ألف جنيه مقدماً، وبالفعل وافق الأب علي الشرط مقابل أن يري ابنه الأكبر مرة أخري! بينما كان يدبر المبلغ الجديد كانوا قد اختلفوا فيما بينهم.. ذهب وسيط الأب ليدفع الفدية وكانت المفاجأة أن أحداً من العصابة لم يرض أن يستلم المبلغ المتفق عليه وعندما سألهم عن الولد لم يجد ما يشفي غليله وانقطعت بعد ذلك أخبار نجله! ما تقدم تفاصيل تصلح سيناريو لفيلم مثير، لكنها وللأسف جريمة واحدة فقط ضمن مجموعة جرائم خطف وسرقة تحدث الآن في محافظة المنيا بالتحديد داخل مركز سمالوط والقري القريبة منه والتي شهدت تفاصيل وأحداثا مخيفة شبيهة بأفلام الرعب نتيجة لحالة الانفلات الأمني وهروب المساجين. جرائم الخطف لم تتوقف حتي اللحظة في محافظة المنيا، فالواقعة السابقة ليست الأولي ولن تكون الأخيرة، وخصوصاً أن بلاغا جديدا وصل للأجهزة الأمنية يفيد وقوع جريمة اختطاف أخري لمدرسة تدعي «مها إبراهيم» تغيبت عن منزلها بعدما تكررت التهديدات التي تلقاها زوجها علي مدار 3 أيام ومازالت أجهزة الأمن تواصل تحرياتها! الواضح أننا أمام جريمة منظمة قد يقودها تشكيل عصابي أو أكثر استفاد من الانفلات الأمني لاختطاف مواطنين وطلب فدية من أهاليهم حتي يعيدوهم، واللافت أن أغلب حالات الاختطاف كانت لأقباط، ومن المهم الإشارة أنه لا وجود لدوافع طائفية بقدر اختيار الخاطفين لضحايا من أسر ميسورة تستطيع أن تدفع الفدية المطلوبة! رغم أن المعلومات التي توافرت لدينا من مديرية أمن المنيا التي شهدت تلك الظاهرة الإجرامية تفيد أن حالات الاختطاف تركزت في مركز سمالوط ومركز وبندر المنيا، وأن الأجهزة الأمنية نجحت في إلقاء القبض علي عدد من الجناة المتورطين والذين اعترفوا بارتكابهم تلك الجرائم أو الاشتراك فيها.. إلا أن واقع الأمر يؤكد أن الشرطة لم تتوصل إلي التشكيل العصابي بكامله بدليل استمرار حوادث الإختطاف! -- ما يلي شهادات لضحايا عائدين من رحلة الاختطاف فالمهندس «فرحان» مدير العلاقات العامة بمطرانية سمالوط أوضح أن حالات الخطف تكررت منذ شهر أكتوبر الماضي وكانت حوالي 8 حالات لمواطنين في قري تابعة لسمالوط تم ابتزاز أسرهم لدفع مبالغ مالية للمختطفين وقد اشتبه الأمن في القبائل العربية وألقي القبض علي 10 مسجلين خطر في منطقة غرب سمالوط، لكن الأمور تطورت لتكشف عن تشكيل عصابي حقيقي يقف وراء تلك الأحداث. وأشار إلي أن الوقائع جنائية عكس ما ردده البعض أن الضحايا أقباط فقط معلقاً بقوله: الضحايا من الطرفين والأمن يشدد الحراسة علي جميع الكنائس بشكل مكثف. في حين يقول «إسماعيل عبدالباسط» مدرس بقرية التوفيقية : بعض القصص كان فيها نوع من المبالغة من جانب المواطنين وشائعات أمنية تم تسريبها مفادها أن بعض الحالات مفتعلة نتيجة خلافات عائلية مثل حالة الطالب محمود الفولي الشهير بمحمود القط الذي روج الأمن أن والده الفكهاني يدعي خطفه لمروره بضائقة مالية.. كذلك حالة أميرة التي تسربت شائعة عقب خطفها تفيد بأنها هربت لأنها علي علاقة بشاب، ولكن الحقيقة انكشفت عندما تلقت أسرتها اتصالاً من مجهولين لطلب مبلغ من المال استلمته سيدة منقبة من والدها. القس «آسطفانوس شحاتة» وكيل مطرانية سمالوط أكد أن الحوادث بدأت منذ أكثر من 3 أسابيع ونفي بشدة أي وجود لشبهة طائفية فيها قائلاً: «الجرائم جميعها جنائية والضحايا ليسوا أقباطا فقط كما أن معظمهم شباب تتراوح أعمارهم ما بين 14 و25 عاماً وجميعهم عادوا لأسرهم بعد دفع الفدية باستثناء حالة واحدة. أرجع أسطفانوس وقائع الخطف إلي التراخي الأمني الذي عاد يسيطر علي الشارع معلقاً بقوله: «من ضمن الضحايا أقباط وهم روماني أيوب نعوم 25 سنة الذي تم احتجازه لمدة ثلاثة أيام ودفع مبلغ 70 ألفا، ومينا خلف نمر 24 سنة ودفع نفس المبلغ أيضاً وهما من قري تابعة لمركز سمالوط، وكذلك أمير ماهر حليم 23 سنة من سمالوط نفسها وصاحب مستودع أنابيب وطلب مختطفوه مبلغ 100 ألف وهناك حالات أخري بخلاف الأقباط طالبة بالصف الأول الثانوي. وأضاف: هناك واقعة اختطاف لفتاة تدعي أميرة مختار ياسين والذي دفع أهلها فدية 50 ألف جنيه للمختطفين، كذلك ولد آخر يدعي محمود مصطفي القط 17 عاماً الذي دفع أهله 125 ألف جنيه ورغم ذلك لم يعد الولد ولا يزال هناك غموض كبير بشأنه. سيناريو الاختطاف يتكرر في كل مرة بنفس الطريقة حيث يتم وضع كمامة علي وجه المختطف وبعدها يحصلون علي جهاز المحمول الخاص به ثم يتصلون بذويه لمساومتهم علي مبلغ كبير من المال، وللأسف عندما تفقد الأسرة الأمل في أن تساعدها الشرطة تضطر للاستسلام للبلطجية مما أدي إلي حالة من الفزع بين الأهالي. -- القس أسطفانوس أوضح أن تلك التشكيلات العصابية لديها جواسيس في كل مكان حتي داخل مركز الشرطة نفسه، وللأسف هذا ما جعل المختطفين وأسرهم لا يروون أي تفاصيل بخصوص مختطفيهم سواء لنا أو للشرطة والتي بذلت جهوداً معنا فقد حاولنا مع أحد المختطفين وأسرته وذهبنا بهم إلي مديرية الأمن لأنهم تعرفوا علي أحد الأشخاص الذين قاموا بتسليمه المبلغ، لكن الولد وأهله رفضوا أن يدلوا بأي معلومات للأمن متأثرين بتهديدات المتهمين وقد قامت الشرطة بالقبض علي 13 شخصا مشتبها بهم بعد تحريات أثبتت أن المختطفين يركزون علي الأسر ميسورة الحال والتي لديها أملاك. وأنهي كلامه أن الانفلات الأمني والتقصير الشرطي والعائدين من ليبيا وخروج البلطجية من السجون عوامل مرتبطة بالظاهرة التي حيرتنا في المنيا حتي أن البلطجية واللصوص لم يتورعوا عن الاستيلاء علي أموال حضانة خاصة بالأيتام وهم يعلمون أن لا أحد يجرؤ علي الاقتراب منهم. -- «مصطفي محمد فولي» صاحب أكبر شادر للفاكهة في سمالوط ووالد الطالب المختطف محمود 17 عاماً بالصف الثاني الثانوي أوضح أنه مختطف من يوم الأحد 16 أكتوبر الماضي وبالتحديد في الساعة التاسعة مساء هذا اليوم ويقول: بعد ساعة واحدة من اختفائه تلقيت مكالمة غريبة في الساعة العاشرة مساءً حيث بدأت مساومتي علي استرجاع ابني مقابل مبلغ من المال تراوح ما بين 100 ألف دولار و400 ألف جنيه وبعد محاولات عديدة تمكنت من تخفيض المبلغ إلي 100 ألف جنيه بعدما ذكرت لهم أني قمت بجراحة في قدمي كلفتني الكثير وحدد المختطفون كوبري النيل بالمنيا مكانا لاستلام المبلغ وأرسلت زوج خالتي بعد 5 أيام لتسليم المبلغ لأحد المختطفين واتفق معي بأنه سوف يقوم بتغيير اسمه من مجدي لطارق ورغم استلامهم المبلغ الذي استطعت خفضه ليكون 95 ألف جنيه فقط اتصل المختطفون علي تليفوني من التليفون الخاص بابني محمود لإبلاغي أن ابني موجود علي محطة سكك حديد مدينة مطاي وحددوا مكانا مميزا بالمحطة.. ذهب إلي هناك فلم يجد أحداً. وأضاف: كانت هناك أشياء غريبة تحدث علي سبيل المثال اكتشفنا أن المتهمين علي علم بما يدور فيما بيننا ويسمعوني ما جاء بحديثي مع أهل بيتي عقب اختفاء محمود، ولذلك ساورتني الشكوك في أولاد عمي الذين يطمعون في شادر الفاكهة الذي امتلكه في سمالوط. «خالد حسن» محامي العائلة قال: أعتقد أن العصابة قامت ببيع الولد خاصة لأنهم طلبوا مبلغا آخر من المال وعندما كنا مشغولين بتدبيره، انقطعت المعلومات عن محمود لدرجة أنهم اختلفوا فيما بينهم علي تقسيم المبلغ المطلوب ورفضوا استلام المبلغ من المسجل خطر الوسيط بيننا وبينهم وتهربوا عندما سألناهم عن الولد. ويضيف: الحالات تكررت والشرطة لم تأت بأفراد العصابة الذين لديهم الكثير من المعلومات عما يحدث في البلد لدرجة جعلت الشائعات تنتشر في سمالوط ومنع بعض الأهالي أبنائهم من الخروج والبعض الآخر لديه هواجس عن احتمال تعرضهم للاختطاف حتي أشقاء محمود بعد اختفاء شقيقهم امتنعوا عن الذهاب إلي مدارسهم.. الحالات كلها مشابهة وكأن الخطف أصبح ظاهرة في المنيا.. ففي واقعة اختطاف الفتاة أميرة مختار روجت شائعات كثيرة حتي تم اتصال بأم الفتاة من قبل المختطفين وطلبوا منها مبلغا ماليا وحددوا مكان الاستلام وبالفعل جاءت سيدة منتقبة لتسلم الفتاة وتأخذ الفدية 50 ألف جنيه. التقينا بالقيادات المسئولة داخل المحافظة لمعرفة آرائهم تجاه القضية ولكن لم نحصل علي إجابات شافية لما حدث مع الاعتراف بأن المنيا لا تخلوا كغيرها من المحافظات من أشباح الهاربين من السجون الذين احتلوا المحافظة التي كاد سكانها أن يغادروها خوفا.. بدت ردود أفعال القيادات الأمنية ومحافظ المنيا غير متناسبة مع ما وقع من جرائم خطف وابتزاز متكررة حتي وإن هدأت الأمور قليلا بعودة عدد من المختطفين. اللواء «ممدوح مقلد» - مساعد وزير الداخلية ومدير أمن المنيا - أن الحادث الأخير فيه لبس وعداوة شخصية لأن الزوجة المختطفة زوجها كان يعمل كاتبا لدي محام وكانت هناك خلافات بينه وبين الأخير وعندما اختفت زوجة الكاتب جاء ليتهم المحامي الذي توجد بينهما دعاوي قضائية سابقة وقال إنه هدده بخطف أسرته وأن البلاغ محل بحث من قبل مباحث مركز سمالوط وتم عرضه علي النيابة التي قررت استدعاء المحامي. دافع عن موقف أجهزة الأمن بالمنيا تجاه الحالات الثمانية التي عادت جميعها بعد دفع مبالغ مالية للمختطفين مؤكداً أن أجهزته الأمنية ألقت القبض علي أكثر من 33 شخصا مشتبها بهم معظمهم مسجلون خطر ومن كانت عليه علامات استفهام من بعض الهاربين من ليبيا داخل القبائل وأن البلاغات التي تم فحصها انقسمت بين بلاغات خطف لأسباب خلافات عائلية أو عداوة شخصية وفيها قيدت المحاضر ضد أشخاص معينة وبلاغات كان المتهمون فيها أشخاصا مجهولين من قبل أهالي المخطوفين وكانت محل تحريات وبحث الشرطة عن مسجلين وأشخاص مشتبه بهم، ورفض مقلد وصف تكرار البلاغات بأنها ظاهرة مشدداً علي أنها وقائع متفرقة وغير مرتبطة ببعضها داخل المنيا نافياً وجود عصابة واحدة وراء تكرار حالات الخطف التي حدثت مؤخراً في المحافظة قائلاً: إن التحريات الأمنية تؤكد عدم وجود رابط في جميع البلاغات. فالأشخاص الذين تم القبض عليهم في ال8 بلاغات اعترفوا أمام النيابة بأنهم وراء حوادث الاختطاف وتم حبسهم. أما في حالة الشاب «محمود مصطفي الفولي» الشهير بمحمود القط فذكر «مقلد» بأنها مازالت محل بحث وتحقيق وأن التفاصيل بدأت عندما جاء والد الشاب ليحرر محضرا ضد أولاد عمه يتهمهم بخطف ابنه، فقامت أجهزة الأمن بالقبض علي الأشخاص الذين حددهم الأب وأحيلوا إلي النيابة التي أخلت سبيل أحدهم ومازالت تستكمل التحقيقات في الواقعة وتستجوب الأهالي. -- اللواء سراج الروبي محافظ المنيا نفي أن يكون الأمر متعلقاً بالقبائل الليبية في الغرب والعائدين من ليبيا - فند البلاغات الأخيرة قائلاً: 9 وقائع تتضمن واقعة مشكوكا في صحتها أما الثمانية الآخرون فقد عاد المختطفون فيها إلي أسرهم في أمان ودون أن يصيبهم مكروه. هكذا بدأ كلامه معنا بأن حوادث الخطف توقفت منذ أكثر من أسبوعين وأن الوقائع كانت وقائع استدراج وليس خطف عنوة. الروبي أشار إلي أن العديد من الحالات بخلاف ال8 حالات غير حقيقية وأن حالة الشاب محمود القط الذي لم يعد لأهله حتي الآن لها خلفيات أخري لم يتم الإعلان عنها حتي الآن. وأرجع أسباب بلاغات الخطف المتكررة إلي خروج عدد كبير من المعتقلين الجنائيين في ظل المناخ الذي نعيشه حالياً قائلاً: هذا ثمن الحرية والوقائع الأخيرة تدل علي سيطرة نوع جديد من البلطجة في الشارع يقف حيالها رجل الأمن - في موقف لا يحسد عليه - ملتزما بتطبيق الشرعية الإجرائية لأبعد الحدود فلن يستطيع ولن يقبل منه القبض علي أي شخص دون دليل أو التعامل بالقوة لانتزاع الدليل من الشخص المشتبه فيه أو حتي بالقبض العشوائي علي مجموعة ثبت تورطها في وقائع مشابهة، ولذلك فالأمن الآن يعمل تحت مظلة مثقوبة ولا أحد يستطيع أن يلومه إذا تأخر في الكشف عن حقيقة ما يحدث من جرائم فإذا أردنا أن نغير ذلك علينا أن نتعاون كمواطنين مع الشرطة. وعن حالة الرعب والقلق التي تسود الأهالي في محافظته قال: ما صعب الأمور هو رفض المختطفين وأسرهم الإدلاء بأية معلومات عن المتهمين أو الأماكن التي تم احتجازهم فيها مما أدي إلي اختلال الشعور الأمني لدي المواطنين حتي تم القبض علي تشكيل عصابي واعترفوا أمام النيابة بأنهم وراء بلاغات الخطف، وأرجع وقوع حالات الاختطاف في المنيا وبالتحديد في سمالوط قائلاً: المنيا كانت مضغة للأفواه في الفترة السابقة وكانت يلصق بها الفتن الطائفية والكوارث الاجتماعية وعندما أصبحت هادئة بدأت الأيادي تمتد إليها من جديد بإشاعة الرعب والفزع بداخلها.