القط يحب خناقه، هكذا بأسلوبه المختصر المفيد، استطاع الحس الشعبى أن يرصد ظاهرة عشق الضحية لجلادها. المعنى ذاته يأتى على لسان بينيتو موسولينى الذى ذهب إلى ما هو أبعد حين قال: الشعوب -كالنساء- لا تقع إلا فى غرام الرجل القوى. بينيتو موسولينى -بالمناسبة أيضا- هو صاحب تلك المقولة الصادمة الأخرى الديمقراطية تصلح بالكاد، عندما يتعلق الأمر باختيار المكان الأنسب لوضع نافورة القرية. الإسكندر الأكبر -من جهته- يرى أن من الغباء السماح لبنى البشر بأن يكونوا أحرارا، وأن إشاعة الخوف بين الناس، لا الحرية، هى أساس الحكم. ينطلق من الإحساس بأن الشعوب -كالنساء- لا تقع إلا فى غرام الرجل القوى معظم الطغاة. بما فى ذلك الإسكندر الأكبر الذى أصابته خيانات أمه الشابة اللعوب المتكررة لأبيه بعقدة جنسية لم يستطع أبدا تجاوزها. سائر النساء اللائى ارتبط بهن كن دائما من أسيراته الخاضعات لإرادته المطلقة، على أساس أنه الطرف المنتصر. ليس من بينهن من اخترنه استجابة لنداء القلب. كثيرون من مؤرخى عصره يرون أن ولعه الهستيرى بشن الحروب -على هذا النحو الذى لا يعرف الهدنة- ليس إلا نوعا من التشويش اللا واعى على ما يعتصر فؤاده من ألم. المعارك المستمرة التى ظل يخوضها إلى أن تمرد عليه قادة الجيش، لم تكن فى الواقع سوى مجرد طريقة يهرب بها من تلك الذكرى اللعينة التى طاردته حتى فارق الحياة. القيصر الرومانى الغريب الأطوار كاليجولا، أصدر مرسوما إمبراطوريا بأن تنشئ الدولة بيتا لممارسة الدعارة يذهب دخله إلى الخزانة العامة. المرسوم الإمبراطورى يقضى بأن يتواجد من يشغلون الوظائف العليا هناك مرتين فى الأسبوع على الأقل. اعتاد أن يطلق تشكيلة متنوعة من الأسماء النسائية المهينة على المحلفين بمجلس الشيوخ. كما اعتاد أن يرأس هو شخصيا الاجتماعات بملابس امرأة. كافور الإخشيدى الذى حكم مصر بأسلوب قمعى لا يعرف الرحمة أو التسامح، كان منزوع الذكورة أصلا بالكامل، طبقا لمقتضيات القواعد المعمول بها مع العبيد إلى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر. لا نستطيع الجزم بأن أحوال الطغاة تغيرت كثيرا بعد الثورة الفرنسية التى أحدثت نقلة نوعية بالغة التأثير على مستوى الفكر الإنسانى، فما هى إلا بضع سنوات تعد على أصابع اليدين حتى عاد نابليون بونابرت بفرنسا إلى الحكم الشمولى الذى كان سائدا قبل الثورة. قلد نفسه إمبراطورا مطلق السلطات لايجرؤ أحد على معارضته، استنادا إلى سلسلة الانتصارات العسكرية التى تحققت تحت قيادته أول الأمر. علاقته المضطربة بجوزيفين صارت مضرب الأمثال على كم التشوهات الناجمة عن الإخفاق العاطفى عندما يبلغ مداه. أصبح من المألوف أن تشكو إلى أصدقائها المقربين من أن الفترات المتصلة التى يقضيها على مختلف الجبهات ترجع -أساسا- إلى خوفه الدائم من مواجهتها على انفراد. وقد شاء القدر أن يفقد أثناء المعارك إحدى خصيتيه، فكانت النتيجة أن تعمد إطالة فترات تواجده فى ميادين القتال. أما بينيتو موسولينى، فلقد أجرى الأطباء النفسيون سلسلة من الدراسات الموسعة حول العلاقة غير المتكافئة التى اختتم بها حياته. آخر عشيقاته بالفعل كانت فتاة شديدة السطحية من أصل أرستوقراطى تصغره بثلاثين عاما اسمها كلارا. كانت محدودة التفكير إلى درجة تلامس التخلف العقلى. لا صلة لها من قريب أو بعيد بالصراعات السياسية، ولا تعبأ كثيرا أو قليلا بالشأن العام. أغلب الظن أنه سعى من خلالها إلى التمسح فى طبقات المجتمع الراقية. انتهى بهما الأمر معلقين من أقدامهما على الأسوار فى شمال إيطاليا، أثناء محاولتهما الفرار إلى خارج البلاد. الجماهير التى طالما اصطفت بالملايين على الأرصفة لتكحل أعينها برؤياه، اندفعت إلى الشوارع بالملايين أيضا فور التأكد من أنه لقى مصرعه أخيرا، لتعبر عن فرحتها الغامرة بالتخلص من طغيانه الذى قاد إيطاليا إلى الهاوية. الاحتفالات الشعبية الصاخبة بمقتل الدكتاتور استمرت ستين يوما بلياليها، على الرغم من الظروف الصعبة التى أعقبت الحرب. الألمان استيقظوا فجأة ليكتشفوا أن هتلر ليس كما صورته لهم آلة الإعلام الرهيبة التى أدارها جوبلز. وعلى فكرة، جوبلز هو من قال: كلما سمعت كلمة: ثقافة، تحسست مسدسى. استيقظ الألمان فجأة ليكتشفوا أن هناك إلى جوار الزعيم الأوحد امرأة تدعى ايفا براون، وأنها ظلت تعيش برفقته فى مقر المستشارية إلى أن انتحرا سويا، عندما تمكنت القوات السوفيتية من اجتياح برلين. كانت آلة الإعلام الرهيبة تصور حياة هتلر على أنها خالية تماما من المغامرات العاطفية، وأن كل هذا العشق لألمانيا -التى هى فوق الجميع- لم يترك فى قلبه مكانا لسواه. وقد تبين من أقوال بعض الشهود فى محاكمات نورنبرج أن الزعيم الأوحد كان تجسيدا حيا لما يسمونه فى علم النفس بنموذج البصاص، وأنه اكتفى -بالتالى- فى علاقاته الحميمية بالأداء البصرى. ديكتاتور شيلى الجنرال بينوتشيه كانت أقرب صديقاته إليه عاملة بمركز لتجميل الموتى. البعض ممن اهتموا بتحليل شخصيته أكدوا أنه اختارها هى بالذات لهذا السبب على وجه الخصوص، وأن أصول الدافع الجنسى لديه اقترنت على نحو ما بالموت، وهو ما يصطلح علماء النفس على تسميته بالنيكروفيليا. حرص دائما على أن يحضر بنفسه المذابح التى تولت تنفيذها كتيبة الإعدام السرية المدربة على يد أفضل عناصر السى آى إيه. أعرض لهذه الحالات -على سبيل المثال لا الحصر- لطرافة تناقضها المضحك مع التباهى بالفحولة تجاه النساء أو الشعوب. فساد ينتشر كالطاعون فى جسد المجتمع. بشر يساقون مغمضى الأعين كالخراف إلى السلخانات. لصوص يسرقون من الفقراء حتى أبسط أحلامهم. قيادات من أصل عسكرى تدير البلاد بعقلية الجنرالات الذين لا يعرفون سوى إصدار الأوامر أو تلقيها. مثقفون جبناء، ومعارضة تعانى من تدهور حاد فى هرمونات الذكورة. تلك هى الثمرة الطبيعية لعلاقات شاذة من هذا النوع.