(1) بشار الأسد ينتمى إلى الطائفة العلوية، معظم المحتجين فى سورية ينتمون إلى الطائفة السنية. لكن هذا لا يعنى أبدا أن ما يجرى هناك حرب بين طائفتين، ولا ينبغى أن يكون. الشبيحة الذين نُسب إليهم كثير من الفظاعات فى أثناء قمع المظاهرات ينتمون أيضا إلى الطائفة العلوية، لكنهم لا يفعلون ذلك لأن العلويين «حاقدون على أهل السنة» كما قد تسمع. لا. بل يفعلون ذلك بسبب السياسة. بسبب النظام المستبد الذى حكم سورية طوال القرون الخمسة الأخيرة، والذى أحاط فيه الرئيس نفسه بمن يثق بهم، العائلة، فالطائفة، فالأقليات، فأصحاب المصالح من المنتفعين. لا تقع فى فخ التفكير الطائفى المتعصب. صدام حسين السنى فى العراق فعل الشىء نفسه، أحاط نفسه بالعائلة والطائفة والمنتفعين، واستخدم -وهو الذى جاء إلى الحكم مدعيا العلمانية المطلقة- خطابا طائفيا خفيا، غير مباشر، يصم معارضيه باتباع إيران تارة أو بالطعن فى «نسبهم العربى» تارة أخرى. وكلاهما -صدام وبشار- لا يقل قسوة مع معارضيه من طائفته عنه مع معارضيه من الطوائف الأخرى. قبيل الأحداث كانت نسبة السجناء السياسيين من الطائفة العلوية فى سجون بشار أكبر من نسبة تمثيلها فى المجتمع. أذكّر بهذا بمناسبة تدخل الأزهر الشريف على خط الاحتجاجات فى سورية وإدانته نظام بشار، ما قد يوحى بأن الموضوع صار سنيا علويا. وهو ما لا يصب فى صالح دولة حرة ديمقراطية نتمنى لها أن تولد فى سورية. لا ينكر أحد أن تأييد بشار فى أوساط الطائفة العلوية أكبر من تأييده بين أبناء الطوائف الأخرى. وأن تأييده بين الطوائف الأقلوية الأخرى أكبر من تأييده بين الطائفة السنية التى تشكل الأغلبية أو الأكراد الذين أقصاهم حزب البعث تماما. لكن السبب فى ذلك هو خوف مشروع من المجهول (وإن كان التعبير عنه باستبداد الآخرين وانتهاك حرماتهم جريمة نكراء لا عذر لها). يجب أن لا ننسى أن تأييد صدام السنى حتى بعد فظاعاته الرهيبة ظل أكبر كثيرا فى أوساط الطائفة السنية العراقية (الأقلية) منه فى أوساط الأكراد أو الشيعة (الطائفة التى تمثل أغلبية العراقيين). هذا شىء متوقع فى البلدان ذات التركيبة والتقسيم الطائفى. وهو شىء متوقع لأن أمثال هؤلاء الحكام المستبدين يلعبون على وتر التشاحن الطائفى، أو التشاحن القبلى، وينمونه. (2) سورية ضلع فى حلف مع إيران وحزب الله. تلاقى فى هذا الحلف الفكر السياسى الغيبى الشائع فى منطقتنا مع المصالح السياسية. أذكّركم بأن كتّابا كبارا -إسلاميين وقوميين- طالما هللوا لهذا الحلف، وطالما اتهموا الليبراليين الذين انتقدوه بأنهم أداة فى يد الأمريكان والغرب (التهمة الشعبوية التافهة الجاهزة دوما). الإسلاميون من هؤلاء حولوا مواقفهم الآن، فهل صاروا أداة فى يد الغرب أيضا؟ بالطبع لا، وإنما لأنهم صاروا أصحاب مصلحة أيديولوجية فى انهزام الركن السورى من هذا الحلف، على أمل أن يكون للإخوان المسلمين اليد العليا فى مرحلة ما بعد بشار. ومن الأسف أن هؤلاء الانتهازيين يرفعون راية الدين إن توجهوا شرقا ويرفعونها إن ولوا وجوههم غربا، وفى كلتا الحالتين يدّعون أن موقفهم هو الحق الذى ليس بعده إلا الضلال. ما حدث فى مصر من شق للصف الوطنى باختراع الخلاف حول المادة الثانية على يد الإسلاميين تكرر على أيديهم فى سورية، ولكن فى صورة الإصرار على تأكيد عروبة سورية فى الدستور. كأن سورية -موطئ مملكة تدمر أعرق مملكة عربية قبل الإسلام- فى حاجة إلى بند فى الدستور لتأكيد هويتها العربية. وإنما فعل الإخوان ذلك لإقصاء الأكراد -قوم صلاح الدين الأيوبى- من طريقهم بالتحريض عليهم (وهم الذين يقولون فى مناسبات أخرى إن دعوى العروبة اختُلقت لهدم الإسلام). انتهازية بلا حدود! اللهم فارحمنا من المستبدين من أمثال بشار، وارحمنا من الانتهازيين الإقصائيين من أمثال الإخوان المسلمين. واحفظ سورية من الانتقال من استبداد إلى استبداد. فإننا نحتاج إلى سورية العظيمة راية للحرية والاستقلال والفكر المستنير.