إذا كنت من الملايين الذين لم يقرؤوا البرنامج السياسى لجماعة «الإخوان المسلمين» والحزب الذى ولدته حضرتها قبل شهور قليلة، أو كنت ممن لا يعرفون بوجود هذا البرنامج فى الدنيا أصلا، ومن ثم لم يتسن لك التمتع برؤية ملامح التشابه المدهشة التى تصل أحيانا إلى درجة التطابق بين السياسات والأفكار الاقتصادية والاجتماعية التى تطوى الست «الجماعة» ضلوعها عليها وبين سياسات حزب عصابة المخلوع أفندى ونجله، ولو معاليك مشغول جدا بهموم وبلاوى العيشة السوداء التى ما زلنا نعيشها وليس لديك وقت ولا فائض جهد وعافية تنفقهما فى البحث عن البرنامج المذكور، فضلا عن دراسة وتأمل محتوياته، فإنى أبشرك بأن رجل الأعمال الملياردير حسن مالك، القطب الإخوانى البارز، أعفاك من عناء البحث والقراءة واختصر عليك وعلى الجميع مشقة تحليل ودراسة برنامج جماعة سيادته ومحاولة استظهار واستخلاص حقيقة توجهاتها السياسية والاقتصادية وتفضيلاتها وانحيازاتها الاجتماعية من بين زحام المواعظ الأخلاقية والكلام فى الأدب وأصول التربية الحميدة للشعب، إذ إن الرجل، مشكورا، تطوع الأسبوع الماضى وأدلى بتصريحات إلى وكالة أنباء «رويترز» العالمية امتدح فيها بحماس «السياسات الاقتصادية التى كانت متبعة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك» (!!) ووصفها جنابه بأنها «كانت تسير فى الطريق الصحيح» لكنه تعطف وتكرم وأقر بأن هذه السياسات الحُسْنية المباركية «شابها» للأسف، شوية «فساد ومحسوبية»!! وبعد أن «شابها» عاد جناب الملياردير الإخوانى وامتدح بالحماس والحرارة نفسيهما أداء وقرارات الأخ الملياردير رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، فى آخر حكومات الأستاذ المخلوع، واعتبرها معاليه «قرارات صائبة (لا بد من) الاستفادة منها»!! إذن.. أخيرا «الجماعة» وضعوا ونطقوا واعترفوا علنًا وصراحة بأنهم فى القضايا الجد لا يختلفون كثيرا ولا قليلا عن نظام مبارك وولده، وأنهم يدينون ويؤمنون بعين عقيدته الاقتصادية المتهورة ويشاركونه التوجهات الاجتماعية المتطرفة يمينا، التى أدت تطبيقاتها العملية على مدى ثلاثين عاما إلى تركيز وتكديس ثروات حرام هائلة فى كروش قطيع مترف قليل العدد (وقليل الأدب أيضا) بينما هبط نصف سكان البلاد إلى قاع مستنقع البؤس والفقر والعدم!! ومع ذلك فإن دواعى الإنصاف تقتضى الإقرار بأن هناك فوارق وروتوشا، تميز صورة سياسات أختنا «الجماعة» عن صورة شقيقتها التوأم التى كانت متبعة أيام حكم المخلوع أفندى وولده، ربما أهمها أن سياسات النظام المدحور كانت تسير وتعربد فى حياة خلق الله، وهى سافرة ومكشوفة الرأس، لكن شقيقتها الإخوانية، ولأنها كذلك فلن تسمح لنفسها بالخروج إلى العلن من دون أن تستتر ب«حجاب» أو تتلفع ب«طرحة» تدارى قبح خلقتها. وبعد.. فإذا كانت حقيقة وضع «الجماعة» السياسى والبرنامجى هو على هذا النحو الذى يقطع بأن الأستاذ أحمد هو نفسه الحاج أحمد، وأنهما فى الانحيازات الطبقية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية يتمترسان فى خندق واحد ولا يختلفان فى أى شىء سوى حكاية «الحجاب» و«الطرحة» وباقى زواق العفة إياه، فإن المرء لَيَتساءل: لماذا بحق الله يعاند الإخوة الإخوان ويصرون كل هذا الإصرار على تحدى القوانين والأصول المتعارف عليها فى ديمقراطيات الدنيا كلها، ويتمسكون بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة وهم يداعبون عواطف الناخبين بشعار «الإسلام هو الحل»؟!لماذا لا يكون شعارهم «انتخب الجماعة واحصل على حسنى وابنه وفوقهم رشيد.. مجانا»؟!!