بالأمس كانت الشعلة الأولى التي أعلنت قدوم رياح الربيع العربي وتلقتها أيادي مصرية بذكاء لتفتح الطريق من يرغب في الإنضمام للقافلة الربيعية، واليوم جاءت تونس لتسجل ثاني أهم خطوات الثورة وهو ما يحمل بدوره مؤشرات لمصر وهى على أعتاب أول انتخابات برلمانية ستحدد مصيرها الثوري. تابعت الأقلام السياسية بشغف نتائج الانتخابات التونسية في محاولة للوقوف على دلالاتها سواء على تونس أو على مصر وعلى الربيع العربي بأكمله. في هذا الإطار تساءل مستشار السياسية الدولية نيل هيكس في مدونة المنظمة الحقوقية الامريكية “هيومن رايتس فيرست” عما تحمله الانتخابات التونسية من مؤشرات لما يمكن أن يكون عليه أداء الناخبين في دول الربيع العربي إذا ما اتيحت الفرصة أمامهم للتصويت في انتخابات عادلة وحرة. فقد كشفت نتائج الانتخابات التونسية عن فوز حزب النهضة الإسلامي بنسبة 41% ما يمكنه من الحصول على 90 مقعد من إجمالي مقاعد البرلمان التونسي البالغ عددها 217 وهنا يشير الكاتب لخطأ المقارنة أو التشبيه الشديد بين أداء حزب النهضة وحزب الحرية والعدالة الممثل لجماعة الاخوان المسلمين. يقول هيكس «خلافاً لجماعة الإخوان المسلمين – تلك الحركة الدينية التي دخلت عالم السياسىة- يعتبر حزب النهضة التونسي حزب سياسي حديث يستمد إلهامه من وحي الدين». ويضيف قائلاً «ينبغي هنا التمييز بين تساؤل بعض الإخوانيين عما إذا كانت المشاركة في العلمية السياسية ستفيد الدعوة الإسلامية التي تعتبر الهدف الرئيسي للحركة وبين بعض الأساليب السرية التي تشكك في دوافع الجماعة وتطرح التساؤل عما إذا كان لديها التزام حقيقي تجاه العملية السياسية الديمقراطية أم أنها تسعى لفرض دولة إسلامية مستبدة». ينتقل الكاتب للحديث عن حزب النهضة الذي تظهر النتائج الأخيرة استفادته من تاريخه كمعارض صامد لنظام بن علي وقائده الشيخ راشد الغرنوشي الذي أمضى عشرات السنين في المنفى وكذلك مرشح الحزب لرئاسة الوزراء حمادي الجبالي الذي أمضى أكثر من 15 عاماً في سجون بن علي كسجين سياسي بجانب مئات آخرين من مؤيدي الحزب. في المقابل، يحمل الإخوان المسلمون تاريخاً أكثر غموضاً من التعايش مع حكام مصر القمعيين. ففي حين كانت الجماعة محظورة أغلب الأحيان، وتعرضت لقمع شديد من قبل نظام مبارك، إلا أنه بدت في بعض الأحيان نوع من التسوية المفيدة للطرفين بين الجماعة وسلطات الدولة. وهنا يوضح هيكس سبب عدم ثقة كثير من الليبراللين والعلمانيين في الجماعة لتاريخها الملىء بالانتهازية السياسية أكثر من كوها عاملاً داعماً للتطرف الديني، أما حزب النهضة غير الموثوق به لما يمكن أن يحمله من اجندة خفية متطرفة، فهو يحظى بأعجاب شديد في الوقت نفسه لشجاعته السياسية ولكونه ضحية رئيسية لقمع النظام السابق. في هذا الإطار، ينصح الكاتب الليبراليين والعلمانيين المصريين بضرورة أخذ العبرة من نتائج الانتخابات التونسية بأن ينشغلوا بنتظيم حملات وبرامج إنتخابية إيجابية بدلاً من مهاجمة «بعبع» الإسلاميين موضحاً بقوله«في مجتمعات دينية مثل تونس ومصر، من يظهر بمظهر المعارض للدين، يكون هو الخاسر كما إنه من الصعب التفرقة بين الإسلام السياسي والإسلام ذاته في معرض حملة انتخابية سياسية». في النهاية، يحدد الكاتب 3 عناصر في الانتخابات التونسية شجعت الديمقراطيين بمصر وهي حسن تنظيم الانتخابات التي جاءت في مناخ حر وعادل ما يعطي نموذجاً جيداً لمحاكاته، والثاني عدم احتكار أي حزب للأغلبية فحزب النهضة عليه أن يتفاوض مع الليبراليين والعلمانيين للسير في المرحلة الانتقالية ،والعامل الأخير فهو من غير المرجح ان تطعن المؤسسة العسكرية والمدنية في نتائج الإنتخابات وهو ما يعني أن تونس خطت خطوة للأمام في عملية الانتقال السلمي للديمقراطية.