حين طلب منى أن أكتب مقالى الأسبوعى اخترت يوم الأربعاء من كل أسبوع، حتى يتزامن كالمعتاد مع بداية عروض الأفلام الجديدة فى السينمات قبل إجازة نهاية الأسبوع، وتصادف أن يكون هذا الأربعاء بالذات من شهر العقرب هو عيد ميلادى. بالطبيعى اقتضى الأمر أن أكتب مقالى مسبقا لتجهيزه للنشر قبل حلول اليوم، الذى من الصعب تجاهل خصوصيته بالنسبة لى. فهو يوم التذكير والحسابات والبحث عن المعانى والمواجهة وتقييم ماض طويل ورؤية خاطفة نحو مستقبل يبدو قصيرا. خليط من الشجن والتأمل يهيمن على النفس، ويجلب إلى الذاكرة الحلو فيها، ويلفظ المر منها. وأتذكر بالذات ليلة جمعتنا طاولة واحدة، نحتفى بالجائزة الذهبية التى حصل عليها فيلم «الكيت كات» لزميلنا داوود عبد السيد، إلى جانب أحسن سيناريو بالمهرجان القومى للسينما الثانى، الذى جمع شملنا منتج الفيلم حسين القلا، الذى أخرجت من إنتاجه كلا من «زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا»، وأخرج له خيرى بشارة «الطوق والإسورة» و«يوم مر.. يوم حلو» و«رغبة متوحشة». جلسنا نحن المخرجين الثلاثة تربطنا معه أفلام مضت وأخرى تخطط للمستقبل، وشعور صادق بالزمالة والأخوة والمحبة، وتبادل نقاش ثمار تجربة كل منا. فخيرى كان قد عاد لتوه من الإسكندرية، حيث كان يصور على شواطئها المشاهد الأخيرة لفيلمه الموسيقى الغنائى «آيس كريم فى جليم»، وأنا بالمثل كنت قد عدت منذ بضعة أيام بعد غياب خمسة أسابيع بجنوب سيناء، أغزل ميثولوجية فيلمى «الغرقانة»، وداوود كان قد عاد من المغرب، حيث رافق فيلمه الذى توج أينما ذهب. فنحن جميعا كنا فى شوق إلى هذا اللقاء، الذى هيمن عليه الحماس والدفء والتطلع نحو أفق لسينما، نزعم أنها مهمة. وإذا اعتقد البعض أن أفلامى وأفلام عاطف وخيرى وداوود كانت مثل الموجة التى تعلو وتكاد تلمس السماء قبل أن تتبعثر وتتلاشى، فكم هم مخطئون، لأنها ليست موجة بقدر ما كانت تيارا مستمرا ومتماسكا. وإذا كان غياب بعضنا قدريا أو فترة اختيارية للتأمل والمحاسبة أو تحت رحمة ظروف إنتاجية مشتتة، فأفلامنا أصرت دائما على مخاطبة العقول بدلا من اللعب بالغرائز، إلا أن مناخ اليوم لا يقرب المواهب قدر ما يفرقها، وأصبح مفهوم التنافس هو من سيعمل قبل الآخر أو بدلا منه.. فكم أتمنى فى عيد ميلادى أن يعتنق السينمائيون الجدد مبدأ أن كلا منهم يكمل الآخر من أجل فن راق يدوم.