صار واحدا من الذين صعدوا إلى السماء بأرواحهم، بعد أن عاش سنوات طويلة من حياته مشغولا بعالم السماء وما يجرى فيه. فلم يهتم أحد بالسماء مثلما اهتم الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور، فالأسطورة كانت حاضرة دائما فى كتاباته، وقدرته على إعادة اكتشاف مناطق جديدة للكتابة عن أشياء تبدو لا مجال للحديث فيها كانت موضع دهشة وإعجاب طوال الوقت. ويبدو ذلك واضحا فى واحد من أشهر أعماله «الذين عادوا إلى السماء»، الذى ناقش فيه ما جاء فى الحضارات القديمة عن العوالم الأخرى والكائنات الفضائية ومجيئها إلى الأرض وتطرق فيه إلى ما جاء فى «كتاب الموتى» الفرعونى وسفر «حزقيال» وسفر «أخنوخ» وملحمة «جلجامش» وغيرها من الكتب القديمة، ولم يكتف بذلك بل إنه أصدر كتابا آخر عن «الذين هبطوا من السماء» ليزيد من مساحة الجدل ويشغل حاسة الخيال عند الجميع العامة والخاصة، وهذه هى قيمة أنيس منصور الحقيقية فهو كان قادرا على إنزال الفلسفة من عنان السماء إلى الأرض ليتفاعل معها البسطاء الذين صار فيلسوفا لهم. لكن أكثر كتبه إثارة للجدل كان «أرواح وأشباح» الذى يذهب فيه إلى عالم الأشباح التى شاعت حول العالم، بل ويقوم بذكرها مستندا إلى التواريخ والأماكن والأسماء الحقيقية، إضافة إلى الظواهر الغريبة التى لم يتم تفسيرها، مثل مثلث برمودا واختفاء الأشخاص والطائرات والسفن والحوادث الغامضة وغيرها من الظواهر التى حيرت البشر ولم يتم إيجاد تفسير لها. المدهش أن أنيس منصور كان مهتما أيضا بتواريخ ميلاد العظماء وقد كتب عنها فى كتابه «هؤلاء العظماء ولدوا معا»، وكان يطرح فيه دائما سؤالا: هل هناك علاقة بين مواليد هؤلاء العظماء؟ فشاء القدر أن يرحل فى نفس اليوم الذى رحل فيه الفنان العظيم حجازى بل لم يفرق بينهما سوى دقائق معدودة، والغريب أنه رحل فى نفس الشهر الذى رحل فيه أقرب الرؤساء إلى قلبه الرئيس السادات بعد ثلاثين عاما ليظل الاحتفاء بذكراهم فى نفس التوقيت. عالم الأساطير كان حاضرا فى كتابات الكاتب الكبير أنيس منصور، فقد ظل طوال حياته باحثا عن المعرفة ولذلك كانت كتبه طوال الوقت الأكثر مبيعا والأكثر إثارة للجدل والطبع! وقد ركز فى عدد كبير من أعماله على الجانب الفلسفى ومنها «الوجودية» وأدب الرحلات وأشهرها كتابه «حول العالم فى 200 يوم».. ولو قدر له لكتب قصة رحلته إلى السماء حيث الدار الآخرة. عادت روح أنيس إلى السماء بعد 87 عاما، بينما بقيت ذكراه خالدة على الأرض بأعماله التى أبدعها على مدار ما يزيد على ستين سنة، قضاها نجما فى بلاط صاحبة الجلالة.